سورة البقرة | حـ 91 | آية 74 : 75 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة البقرة | حـ 91 | آية 74 : 75 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع سورة البقرة وفي قصة بني إسرائيل حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى بعدما ذبحوا البقرة وضربوا القتيل ببعضها فأحياه الله سبحانه وتعالى فأخبر عن من قتله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك يعني من بعد ما مر من كل تلك المواقف التي شرحناها فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار فبعد ما وصفهم بالحجارة وبأنه منهم من هو أشد قسوة من الحجارة فتح لهم مرة أخرى من واسع فضله وفتح للعالمين من بعدهم التوبة والرجوع وعدم
اليأس والقنوط من روح الله سبحانه وتعالى فقال إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، هذه العبارة لها جانبان، جانب منها أنه ليس ببعيد على الله سبحانه وتعالى أن يحول الحجارة التي في قلوبهم إلى الحجارة التي تتفجر منها الأنهار في يوم من الأيام، وجانب آخر أن قلوبهم إذا لم تكن كذلك فهي أشد قسوة من الحجارة حيث أن الحجارة من جنسها ما يتفجر منه الأنهار يعني انظر فيها لها معنيان معنى يفتح الرحمة ومعنى آخر يقول فإذا استمررت أيها القلب الحجر وليس هناك مياه تخرج منك فالحجر أحسن منك هذا الحجر يتفجر منه الأنهار
هذا الحجر وأن منها عندما ينشق فيخرج منه الماء، هذا يا أخي الحجر ينشق ويخرج منه الماء وأنت غير راض، فإذا كان هذا فيه لوم وعتاب على من بقي حجرا بلا ماء، وفيه رحمة لأنه فتح الباب حتى لمن كان قلبه حجرا إلى أن يا عبدي، ربك وارجع إليه فيتفجر منه الماء ويخرج منه الأنهار وينابيع الخير وإن منها إذا ما لم يخرج منها الماء لما ينزل من خشية الله تجد الحجر في قمة الجبل وحدث زلزال أو حدث شيء ما
فنزل الحجر وهو خاشع وفي بعض الأحجار تراها تتفتت كانت صلبة وتفتتت فهذه أوصاف ثلاثة أنه حجر يخرج منه النهر وأن يخرج متشققا فيخرج منه الماء وإن حجرا يتفتت ويهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون، هذه الثلاثة القلب مثلها بالضبط، القلب الحجر كهذه الثلاثة تماما، فبعضها يأتي منه الخير الكثير كالنهر وبعضها يحدث
له التصدع من خشية الله سبحانه وتعالى فيخرج منه الماء القليل المفيد، على الأقل يفيد أسرته تفيد قبيلته تفيد وهكذا فالنهر يفيد ناسا كثيرين والمياه تفيد ناسا قليلين طيب والذي تفتت هذا أفاد نفسه فقط أفاد نفسه فقط فيبقى الحجر هذا هو قدر وعند هداية الله بعد عودة إلى الله قد يحوله الله إلى نفع كثير أو إلى نفع قليل أو إلى نفع ذاتي يختص به ويختتم الله الآية فيقول وما الله بغافل عما تعملون يعني كل هذا من عملكم إن
عملتم خيرا فخير وإن عملتم شرا فشر وإن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء اختلفوا يقول لك من يشاء يعني من يشاء الهداية يعني أنت لديك رغبة في أن تهتدي فربنا يوفقك أم من هو سبحانه وتعالى قال لمن يشاء الهداية لأنه من يشاء هو سبحانه وتعالى هذه وردت في آيات أخرى مسألة لكن هنا يعني من يشاء هو الهداية يعني ابدأ يا أخي ابدأ بفعل الخير فتكون في نظر الله وفي محل نظر الله عز وجل فربنا يهديك أكثر وأكثر ويوفقك أكثر وأكثر وفي الحديث القدسي وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره ولئن أتاني ماشيا أتيته مهرولا يعني يا أخي ابدأ وامدد يديك والله كريم عندما ستبدأ قم فالله سبحانه وتعالى حتى ولو كان قلبك قد وصل إلى مرتبة الحجر أو ما هو أقسى من الحجر فإنه يمكن أن تتفجر منه الأنهار، أو على الأقل يتشقق فيخرج منه الماء، أو على الأقل تخشع فتهبط من خشية الله. يبقى إذن يجب علينا أن ندرك هذا المعنى وهو أنه يجب على العبد أن يسارع إلى مغفرة من ربنا سبحانه وتعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربنا سارعوا
وفروا إلى الله جميعا يجب أن تفروا إلى الله هذا الفرار فيه أي سرعة فالله سبحانه وتعالى وصف قلوبهم وشبهها وقسم المشبه به وأحالنا إلى معنيين معنى فيه خير ورحمة ومعنى فيه لوم وعتاب وتهديد ثم ربط كل ذلك فقال وما الله بغافل عما تعملون، ثم انتقل يخاطب من حولهم بعد أن خاطبهم كثيرا وسبحانه وتعالى له الحجة البالغة فخاطبنا نحن وقال أفتطمعون، الطمع
في وجه الله محمود ما طمع في وجه الله فالمؤمن لما يطمع في وجه الله يكون ذلك رجاء في الله ويكون ممدوح إنما الطمع في الخلق يكون مذموما أفتطمعون طيب هنا طمعوا في من طمعوا في الناس أم طمعوا في الله لننظر إلى ما بعده أفتطمعون أن يؤمنوا لكم يعني إذا تعلقت قلوبهم أن الرجل هذا حسن هكذا أو قوي أو نافع فيريدونه أن يأتي معهم فيذهبون يكلمونه
بالسياسة باللطف ويرون الحول والحوة ولا حول ولا قوة إلا بالله وطمع في إيمانه وكأنه لم يدع الله له أن يهديه لأن الهداية تكون بيد الله أفتطمعون أن يؤمنوا لكم؟ اذهبوا انظروا هل ستعرفون أن تهدوهم أم لا، أليس كذلك؟ نحن ما نحن إلا مبلغون عن الله فقط، اعلم أنه حرر نفسك من الحول والقوة وهذه إحدى الصفات الأساسية التي يدعو إليها الكتاب أن نتبرأ من حولنا وقوتنا وتبرؤنا من حولنا وقوتنا هو عين الامتثال لرب العالمين في الأخذ بالأسباب ما هو أن يقول
لك أحد أنا سأتبرأ من حولي وقوتي فيكون أنا لن أعمل شيئا خطأ هذا لا تبرؤ ولا إخلاص هذا مخجل ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله معناها التمسك بكل الأسباب على ما خلقها الله والتوكل على الله بالقلب أنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء في هذا الكون أفتطمعون أن يؤمنوا لكم يعني برئوا أنفسكم من الحول ومن القوة وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة السلام عليكم