سورة البقرة | حـ 98 | آية 83 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال تعالى في سورة البقرة وهو يبين لنا مضمون الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى". وكنا وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى وذوو القربى والقربى تأتي من قبل الأب أو من قبل الأم ومن قبل الأب من قبل أمهاته أو من قبل آبائه ومن قبل الأم من قبل آبائها أو من قبل أمهاتها وهي ما نسميه بالعائلة
الكبيرة فالعم والخال والعمة والخالة والجد والجدة وحواشي كل أولئك من ذوي القربى الإنسان يعيش في أسرة صغيرة مع زوجته وأبنائه وأسرة أكبر مع أبيه وأمه وضم إليها أباها وأمها لزوجته وأسرة أكبر عائلة أكبر إلى أن نصل في التشعب إلى القبيلة أن يكونوا جميعا من أب واحد وكل ذلك أقرب فهؤلاء
ذوو قربى كلمة أقرب يجب أن يكون فيه أبعد لأن القرب والبعد نسبي بيني وبين هذا المكان عشرة أمتار وبيني وبين المكان الثاني عشرون مترا إذن أنا أقرب إلى الأول من الثاني فذو القربى تقتضي أن هناك دائرة ثانية أبعد بدلا من أن نقول وذي القربى سيكون وذي البعدة فمن هو إذن ذو البعدة قال أولاد آدم ما نحن الآن نتحدث في ماذا نسب أبي وأمي وأبيه وأمه وأبيها وأمها
نسب، فماذا لو تسلسلنا في هذا النسب فإلى أين سنذهب؟ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، إذ أن الله الأرحام هو في الخريطة الكبيرة، فما هذا؟ التكليف بأن أحسن وأراعي وأصل ذوي القربى، قال هذا يدل على يسر الشريعة وأنها لا تكلفك إلا بما يطاق، لأنه لا تستطيع أن
تقدم هذه الصلة لكل الناس، ليس هناك وقت، ليس هناك جهد، ليس هناك مال، أنت محدود فلا يمكنك دائما أن تهيم على وجهك في الأرض من أجل أن تزور، من أجل أن تساعد، من أجل أن تقف مع البعيد. قال حسنا مثل هؤلاء الأقارب، الناس الذين حولك والله جعل صلتهم واجبة عليك وجعل صلتهم فقط واجبة عليك رحمة وتخفيفا من عنده سبحانه وتعالى، فتبقى معاونة الباقين من أولاد آدم تصبح ماذا قال
هذه تصبح مهمة ومندوبة وهي الأصل أن أنا أعطي وأزور وأساعد وأعاون وأرحم أولاد آدم إنما أوجب علي شيئا صغيرا على قدري فإذا حدث ووضعك أمام ابن آدم في موقف قال يجب عليك حينئذ يتحول المندوب إلى واجب وجدت واحدا يغرق لا تقولوا له أنت قريبي أم لست قريبي، ابن خالتي أم ابن خالي، لا بل أنت دائما وأنت تعلم السباحة تأتي غاطسا مباشرة وتنقذه، فالأصل كان جميع البشر ثم
اختصر في عائلتك القريبة من أجل التخفيف والتيسير، فكلمة ذي القربى تدل على الأمرين تدل على أنك مطالب أصلا بمساعدة الخلق وتدل على إن الشريعة لما نزلت بيسر وتيسير حصرت هذه المكرمة وحصرت هذه الفريضة كفريضة في ذوي القربى فقط، حسنا وأين ذوو البعد؟ البعداء سيأتون بعد ذلك، البعداء سيشار إليهم بعد ذلك، لكن ذوي القربى هذا فرض عليك، واليتامى ما هم اليتامى من أولاد آدم لكن
خصهم بالذكر حتى ولو لم يكونوا ذوو القربى واليتيم كاليتيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من وضع يده على رأس يتيم كتبت له بكل شعرة من رأسه حسنة. أمر آخر هو اليتيم، وأما اليتيم فلا تقهر، وهذا أيضا من الناحية النفسية وليس المادية، لأن بعض الأيتام أغنياء، نعم يتيم ولكنه مليونير، لا شأن لنا بذلك أين الحنان؟ يجب أن تحنو عليه وتحتضنوه وتعطوه جرعة من الحنان ليشعر بالأمان والدفء معكم، فالقضية ليست
قضية مال ولا صدقة ولا غير ذلك. نعم، أغلب الناس عندما تتوفى عائلاتهم يصبحون فقراء، لكن من الأيتام من ليس فقيرا، ولذلك كلمة "تقهر" هذه معناها أصلا الحالة النفسية، فلا تدخل هكذا ثم والشرب واللبس، لا، بل يجب أن تعامله على أنه المقدم واليتيم، يجب أن نفهمه أن يرفع رأسه هكذا بين الناس وأن يعرف أنه سبب دخولك أنت الجنة، فيصبح هكذا فخورا بنفسه قليلا، ونربيه على التواضع ولكن نربيه أيضا على العزة، وطبعا الفرق بين معاني العزة والكبر
دقيق نقول له لا هذه عزة هذه ابق عزيزا والمساكين دائرة أخرى من بني آدم ولكن يجب أن تنتبه إليهم بوجه الخصوص فهذه القربى أضاف إليهم اليتامى أضاف إليهم المساكين والنبي عليه الصلاة والسلام لو خرج فينا الآن لانحاز إلى المساكين قال اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولا نحاز إلى الضعفاء، أين تجد النبي صلى الله عليه وسلم لو خرج فينا الآن؟ لن تجده مع الأقوياء وأصحاب الجاه والأغنياء، ستجده مع المساكين والفقراء والضعاف
والمعوقين. عبدي مرضت ولم تعدني، قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: مرض فلان فلم تعده، ولو عدته لوجدتني عنده. عبدي حديث طويل فيه أن الله عند المريض وعند اليتيم وعند المسكين وعند المدين وهكذا، أين ستجدون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ظهر فينا في عصرنا هذا؟ إنكم لن تجدوه في الأماكن الفخمة والفنادق الفاخرة، لا لن تجدوه هناك، ستجدونه مع الفقراء والمساكين، وقولوا للناس حسنا، انظر إلى
ما تستطيع فعله إذن، خلق الله كل شيء للناس، لم يقل للمؤمنين فقط، كن واحدا منهم، ألم ينتشر الإسلام من هنا، دخل التجار إلى شرق آسيا، ودخل الصوفية إلى أفريقيا، فقالوا للناس كلاما حسنا فأسلم الناس، وإلى لقاء آخر نستودعكم