سورة النساء | حـ 562 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى وهو ينظم العلاقات الاجتماعية ويضع لها أسسا باعتبار أن العلاقات الاجتماعية مآلها إلى العلاقة بين الرجل والمرأة وينظم الله سبحانه وتعالى هذه العلاقة على مستوى الرجل والمرأة في أصل الخلقة ثم على مستوى الرجل والمرأة في الأسرة يقول سبحانه وتعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وهنا نرى تلك القضية التي اختلف فيها أهل الأديان وهي قضية التعدد تعدد الزوجات ونرى القرآن الكريم وقد ساقها في صورة الشرط وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ولم يجعلها على أساس الحكم الأصلي ولكنه نبه على الحكم الأصلي في سياق علاقة اجتماعية أخرى هي رعاية اليتيم فعندما
تنشأ اليتيمة في أسرة ويخاف عليها العنت فإن الله سبحانه وتعالى أباح أن تتزوج هذه اليتيمة وأكد على زواجها حتى من رجل متزوج حتى تتم الرعاية والعناية فالأساس هو الرعاية والعناية فالكلام كلام يتعلق برعاية اليتيم وهذا أمر يخالف حمل هذا التعدد على قضاء الشهوات أو على نوع من أنواع التمتع يفعل به الرجل ما يشاء وينقله إلى درجة إنسانية عالية، هذا
هو سياق وسباق القرآن، وإن كان التفسير يأتي فيفسر بتفسير آخر، ولكن كلام الله سبحانه وتعالى الذي يخاطب به العالمين إلى يوم الدين بجميع عقلياتهم وثقافاتهم، بجميع عاداتهم وتقاليدهم، بجميع أديانهم السابقة على الإسلام لمن أراد. منهم أن يدخل الإسلام، هذا هو سياقها، ولذلك فإن هذا السياق في ظني يستوعب ثقافات أهل الأرض جميعا، ولا ينحصر الإسلام في المسلمين وفهم المسلمين الذين نشؤوا عليه. ليس خطأ لكنه صورة من صور هذه الآية، وهذه الآية
لها صور كثيرة منها ما فهمه المسلمون وطبقوه في حياتهم وعلى ذلك. فإن المسلم لا يفرض عاداته وتقاليده على العالمين لأن دين الله أكبر من المسلمين ومن علماء المسلمين ومن عوائد المسلمين ومن تقاليد المسلمين وأعرافهم ومن كل المسلمين في عصر ما، بل إن دين الإسلام أعلى من ذلك لأنه يخاطب كل الناس وكل البشر إلى يوم الدين، وهذا هو الذي يجب أن يتحلى به المسلمون في عصرنا الحاضر أن يعلموا أن ما اعتادوا عليه من عادات وتقاليد ومن رغبات وانطباعات ليست هي فقط دين الإسلام بل إن دين الإسلام أوسع
من ذلك نعم لا يحكم على عاداتك بالبطلان ولا يطالبك بأن تغيرها أو أن تخرج من طبيعتك وما اعتدت عليه ولكنك أيضا لا تضيق على خلق الله في أفهامهم ولا تكن حجابا بين الخالق والخلق ولا تكن مانعا من دخول الناس في الإسلام بنموذجك الذي تحوله إلى دين وتقول إن هذا هو دين رب العالمين لا هذا مباح في دين رب العالمين لكنه ليس هو دين رب العالمين بتمامه فإن دين رب العالمين سبحانه وتعالى يستوعب البشر أجمعين إلى يوم الدين وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم والشرط
في لغة العرب على محل السبب يعني ما هو الشرط على محل السبب يعني أن الشروط اللغوية أسباب شرعية والسبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم فالسياق وإنكم إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، فيستفاد من وجود الخوف إباحة الزواج ويستفاد من عدم الخوف منع الزواج، وهذا الذي يفهم من الآية إنما يستعمل الأدوات اللغوية العربية ويستعمل أصول الفقه. في الفهم فلا تمنعه أنت أيها المسلم الذي اعتاد
على الإباحة المطلقة للتعدد حتى من غير سبب لا تمنعه من أن يفهم ما يريد من كتاب رب العالمين الذي نطق على هذه الهيئة لأننا نؤمن أن هذا الكلام من عند الله وأنه سبحانه وتعالى حفظه على مستوى الحرف وعلى مستوى لأداء وأن كل ذلك يمكن النظر فيه إلى يوم الدين فهو هدى للمتقين مثنى وثلاث ورباع وهذه الكلمة في لغة العرب معناها اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة وهذا معناه أن المسلم يمكن أن يتزوج اثنتين أو يتزوج ثلاثا أو يتزوج أربعا وهكذا لكل
مسلم ولذلك عبر بمثنى وثلاث ورباع ذلك يختتم فيقول فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، وهنا نلتقي في لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.