سورة النساء | حـ 580 | 11 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 580 | 11 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى وهو يذكر نظام الميراث بالتفصيل، وإذا ذكر الله سبحانه وتعالى أحكام شيء بالتفصيل فمعناها أنه لا اجتهاد فيها، وقرر العلماء قاعدة جليلة تقول لا اجتهاد مع النص فما دام هناك نص وكان هذا النص لا يحتمل التأويل فليس هناك اجتهاد لأن الاجتهاد هو النظر في النص الظني
فما دام النص قطعيا في ثبوته وفي دلالته فليس هناك اجتهاد بل هناك اتباع ويقوم المجتهد بالفهم ولكنه لا يقوم بإنشاء أحكام واستنباطها بطريقته بحيث إنه يمكن أن يختلف مع مجتهد آخر، هذا يتم في النصوص الظنية، ومعنى أن الله سبحانه وتعالى أنزل النص ظنيا أي أنه أراد منا أن نختلف في آرائنا فيه، توسعة على الأمة وحتى يكون الإسلام صالحا لكل زمان ومكان، فتتغير الأحكام بتغير الزمان إذا كان أساسها على الزمان وعادات الناس،
وتتغير الأحكام تتغير الأحكام بتغير المكان إذا كان أساسها المكان والدور وما ينسب إليها، وتتغير الأحكام بتغير الأشخاص إذا كان الأمر متعلقا بالشخص، وتتغير الأحكام بتغير الأحوال، فهناك اختلاف بين حالة الضرورة وحالة الاعتياد وحالة السلم وحالة الحرب وهكذا، ومعنى هذا أن القرآن قد نزل ليتجاوز هذه الجهات. كلها ولذلك فهو صالح للتطبيق، ومن هنا أنزل الله بعضه قطعيا وبعضه ظنيا في الدلالة، فإذا فصل فهو في إطار القطعية، يبقى إذن نظام الميراث فيما هو منصوص عليه لأنه
في حاجات ليس فيها نص أيضا لم يذكرها الله، والله سبحانه وتعالى منزه عن النسيان، منزه عن الخطأ سبحانه وتعالى. إذا هو لم يذكرها حتى نجتهد فيها وحتى تختلف فيها أنظارنا، لكنه لما فصل تفصيلا فقد قطع القول على كل أحد، فلا اجتهاد مع النص. فمن أراد أن يجتهد في مجال الميراث فإن اجتهاده يكون محصورا فيما لا نص فيه أولا، في فهم النص غير القطعي ثانيا، في التطبيق ثالثا. يمكن أن أجتهد اجتهادا
يبين كيف نطبق ما أمر الله به، إنما هذا ما أمر الله به لا كلام فيه، ولذلك سنبدأ من قوله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين"، نظام الميراث بالتفصيل جعل الله سبحانه وتعالى هذه وصية، والوصية معناها في لغة القرآن العهد والوعد، فالله قد تعاهد في
عهده الذي وثقناه فيما بيننا وبينه، إذ إن نظام الميراث جزء من العهد الذي بين المسلم وبين ربه، والعهد لا يتغير، والذي يخل بالعهد فيه صفة من صفات النفاق، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث من كن فيه كان منافقا، ومنها إذا عاهد أخلف وإذا وعد إذا وعد أخلف، وإذا عاهد خان، وإذا ائتمن خان من علامات النفاق. ولما أخذ الله العهد على إبراهيم
توارث هذا العهد إلى يومنا هذا، وعهد إبراهيم ثابت لا يتغير، فعهد الله سبحانه وتعالى ثابت. فلما يقول يوصيكم الله يعني هذا نوع من أنواع توثيق العهد أنها وصية، والوصية تطلق في فيما إذا أوصينا من بعدنا ونحن غائبون أن يفعلوا كذا وكذا فتوصي أولادك توصي يعني ماذا وأنت مسافر توصيهم وأنت على فراش الموت توصيهم يعني تكون غائبا وهذا معناه أن الله سبحانه وتعالى وهو غيب الغيوب الغيب المطلق
هو الله سبحانه وتعالى فمعنى الوصية أن الله سبحانه وتعالى قد وثق العهد الذي بيننا وبينه وهذا العهد ثابت كما عاهد إبراهيم وعهد إبراهيم باق إلى الآن وعندما يقول أحدنا لأبنائه أوصيكم بكذا وهو مسافر أو في فراش الموت يعني في غيابه هذا يعني أن الوصية تستلزم شيئا من عدم الحضور وإلقاء المسؤولية على الحاضرين والله سبحانه وتعالى هو الغيب المطلق فيقول سأترككم مع أنفسكم فتكون المسؤولية أكبر لأن فيها وصية لن تتدخل في تنفيذها وأترككم أنتم الذين تنفذونها يا
له من خبر عظيم فيكون إذن أنني لو لم أنفذها فسيكون هناك غضب لأن في ذلك مخالفة لأن الله سبحانه وتعالى قد جعلها لي وأوصاني بها فخالفت وصيته فيكون قد في الوقت نفسه لم أحترم الغيبة وكأنني غيبت غيبته فعلا وهو حاضر بقدرته وبحسابه وبعظمته سبحانه وتعالى، يوصيكم الله. الأمر الثاني بعدما عرفنا أن نظام الميراث ليس محلا للاجتهاد في أولادكم، وكلمة في أولادكم كلمة دقيقة جدا. عندما يعترض المعترضون على
المسلمين يعترضون عليهم بطريقة غير دقيقة، لا ينتبهون إلى المسلمون أهل علم وليسوا أهل غوغائية، قوم لا ينتبهون وهم يتكلمون، يعترضون على كلمة في أولادكم ويتركونها، قوم يعترضون وهم في أذهانهم ويقول لك هذا الإسلام لم يسو بين الرجل والمرأة ولا بين الذكر والأنثى لأنهم لا ينتبهون إلى كلمة في أولادكم إذن، نحن نتكلم بالقطارة قطرة وكلمة كلمة أهل علم وهم يتحدثون بالكون ولذلك لا يعرفون كيف يمسكون على المسلمين
شيئا إلا الأوهام ومن هنا تعرف دين الله كيف هو بهذه الخاصية ما هو لو كان من عند البشر لما بقيت فيه في أولادكم ينساها البشر ولكن لما كانت من عند الله كان دينا متين جدا لا يستطيع أحد أن يحير ويدور فيه، كلما تفتح معه كلما تجده يرد، الله ما هذه الخاصية الغريبة؟ نلتقي مرة أخرى في حلقة أخرى، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.