سورة النساء | حـ 598 | 16 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما وعلى هذا وبالقول أن كل آية في القرآن إنما تعطي حكما وأنه ليس هناك شيء من القرآن ضاع لا حكما ولا تلاوة وأن كل شيء فيه يصلح إلى يوم الدين فإن بعض العلماء حمل هذا على معنى جديد وهو معنى الانحراف الجنسي الذي نسميه في عصرنا بالشذوذ الجنسي
والشذوذ الجنسي يكون عقابه كما هو منصوص في القرآن على هذه الحال واللذان يعني رجل مع رجل يأتيانها يعني يأتيان الفاحشة منكم إذا ليس من غيركم يعني كان هذا الحكم مقصورا على من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا فإننا نطبق أحكام غير المسلمين على غير المسلمين إذا أرادوا ذلك فليحكم أهل التوراة يعني كأنهم يحكمون فيما بينهم بما أنزل الله سبحانه وتعالى لهم وهذا هو الأساس الذي بموجبه قبل المسلمون التعدد في المجتمع فالمسلمون قبلوا أن تكون هناك
مواطنة يكون المواطن فيها مسلما ويكون المواطن فيها مسيحيا ويكون المواطن فيها يهوديا وهكذا والنبي صلى الله عليه وسلم حتى قال في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب فما دام له دين وما دام له شرع وما دام أراد أن يطبق شرعه على نفسه فإن المسلمين وإن تمكنوا من الدولة فإنهم لا يفرضون أحكام المسلمين على غير المسلمين إلا إذا أراد غير المسلمين أن يتحاكموا إليهم فاحكم بينهم بما أراك الله، حينئذ عندما يتقاضون ومن هنا أصبح القانون المصري يطبق عند اتفاق الملة يطبق الأحوال الشخصية على غير المسلمين بملتهم
وبما ارتضوه فيما بينهم وهذا إقرار من المسلمين بالمواطنة والتعددية واللذان يأتيانها منكم فآذوهما يبقى في أذية والأذية ليس الغرض منها في دين الله الانتقام بل الأذية الغرض منها في دين الله التأديب وهناك فارق تربوي ونفسي بين التأديب وبين الانتقام لا نعرف إلى أي مدى ينتهي والانتقام لا نعرف أثره على من ننتقم منه فهو يؤدي مرة إلى انكساره ويؤدي مرة إلى ثورته وهياجه ولا يؤدي أبدا إلى تربيته وعدم
عودته للإثم الذي ارتكب أما التأديب فإنه يؤدي إلى تهدئته ويؤدي في الوقت نفسه إلى الخوف من المعصية ويؤدي في الوقت نفسه إلى تأديبه وتربيته وهدوئه، لا إلى ثورته ولا إلى انكساره. يبقى الفرق بين التأديب والانتقام أن الانتقام ليس محمود العواقب، أما التأديب فهو محمود العواقب. إن الانتقام لا نعرف مداه، وأما التأديب فنعرف مداه. إن الانتقام فيه شفاء للنفس، وأما التأديب ففيه غرض للقضية. لماذا؟ تضربه اضربه ليؤدب، وهذا المعنى افتقده كثير من التربويين الذين قلدوا
المدارس التي شذت فقالت بعدم التأديب مطلقا، وأن التأديب يتنافى مع الحرية، وهذا أمر يضر بالنفس البشرية. التأديب ينبغي أولا أن يتحرر من الانتقام، فالتأديب شيء والانتقام شيء، وبعد هذا التحرير فإن التأديب يتوخى التهذيب، يتوخى عدم الوقوع مرة أخرى في المعصية يسعى ويهدف إلى مستقبل الأيام وليس ماضيها، ولذلك فإن التأديب لا يبحث عن الجرم بل يتجاهله ولا يتعرض للجرم إلا إذا شاع وظهر، ولذلك فإذا كان لديك ولد وهذا الولد ارتكب خطيئة
دون ظهور في الخفاء فمن التربية والتقويم أن تتجاهل الأمر أي تتظاهر بعدم العلم إنك لا تراه والإمام أحمد له معنى في الكلام أن التغافل تسعة أعشار التربية عندما تتغافل عن الولد اتركه ولكن عندما تأتي به وتقول له هذا أنت فعلت وفعلت يتجرأ عليك فحسنا ما دام قد فعل فماذا أفعل أنا أما إذا ظهر بالمعصية نعم هذا فيه خطورة المعصية خطرها أنه لا يرى أنها معصية، خطرها أنه يرى اللامبالاة وينقلها إلى غيره في خطر، ولذلك يأتي التأديب مخالفا دائما لقضية الانتقام. فيه عقوبة ولكن فيه أيضا بحث وتفتيش
وإخراج ضغينة الناس، ثم بعد ذلك الانتقام منهم وهدفه وما يؤدي إليه مختلف، ينكسر الإنسان وفي هذا ذل. واحتقار وضياع أو يهيج ويثور وفي هذا مصائب الله أعلم بها ولذلك فالتأديب يخالف الانتقام وهنا أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتأديب لا بالانتقام واللذان يأتيانها منكم فآذوهما من ضمن الأشياء التي يخالف فيها التأديب الانتقام يذكرها الله بعد ذلك يقول فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما يبقى
التأديب له حد وله الغرض فإن تاب وأصلح وليس كأنه شيء هم ارتكبوا ذنبا من قبل ما أعتقد ما ارتكبوه لا ارتكبوا لا ارتكبوا كيف هذا صفحتهم بيضاء هم في الواقع أنهم ارتكبوا ولكن ربنا أمرنا أن نعرض عنهم بعض الناس لا يفهمون المعاني العالية هذه ويأتي ويعكس القضايا من غير وجه حق فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما فتخلقوا بأخلاق الله وكونوا قابلين للتوبة رحماء بالعباد وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته