سورة النساء | حـ 600 | 17 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء وقفنا عند قوله تعالى "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة" وذكرنا أن هناك فرقا بين الجهل وبين الجهالة، وأن الجهل هو عدم الإدراك وأن الجهالة هي عدم الإملاك بألا أكون قادرا على أن أملك نفسي من المعصية فتقع المعصية من شدة الشهوة من شدة الضعف من شدة الجهل من غير قصد
بالتسرع بنسيان الله وأحكامه سبحانه وتعالى بتداخل الأمور واختلاطها باستهانتي في شيء ما لا بأن أدبر وأقصد الأذية لخلق الله التي تتم عنده المعصية بجهالة يقع في المعصية لكن الذي يخطط ويدبر أن يجعل بمعصيته هذه أذى فهذا شرير، هذا يحتاج إلى شيء فوق التوبة، هذا يحتاج أن يربي نفسه، هذا يحتاج أن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى بكليته، هذا يحتاج أن يجلس مع ربه ونرى ما هذا الأمر، يقول له يا رب أنا لقد
اضطربت تماما، لست مسؤولا عن ذلك، لقد تبت وأعرف أنني مجرم آثم وقد تبت الآن، هذا أمر آخر، أما الناس وهي تسير دون قصد فتقع في الخطيئة أي بجهالة لأنها لم تملك نفسها بعقل وحكمة ووعي تام، فالوقوع في الخطأ بالجهالة إنما يكون في الإرادة لا في الإدراك يبقى إذا أنا عالم أنها معصية لكن لم أستطع أن أمنع نفسي عنها فليتب الله علي أما الذي لا يعلم أنها معصية فهذا يمكن ألا تكتب له السيئة أصلا ذلك مبلغهم من العلم فالله
هنا لم يقل يعملون السوء بجهل لأن الذين يعملون السوء بجهل لن يؤاخذوا هذه أول مرتبة الأخذ أن تكون عارفا أنه نعم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فيجب أن تكون عارفا أن هذه معصية أما أنت فتعمل شيئا وأنت تظن أنه خير أو تعرف أنها ليست معصية ولا شيئا ثم تبين أنها معصية قال الله تعالى أنا إذن أنا فعلت ذلك حسنا، لنتب إلى الله من اليوم، ولكن ليس هذا هو المقصود، بل المقصود أنني أعرف كل شيء ولكن هناك نقص في إرادتي وفي إمساكي لنفسي، وإنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة أي لا يقصدون بها إيذاء الناس ولا يفعلونها عن خطة
وتدبير وإنما يفعلونها جهالة وضعفا ثم يتوبون، طيب عرفت الآن وفهمت ووعيت ورجعت إلى نفسي، إذن لا بد من التوبة، وأركان التوبة معروفة: ثلاثة في المعصية التي بينك وبين الخالق، وأربعة في المعصية التي بينك وبين الخلق. أولها الإقلاع عن المعصية، لا تقل أنا تبت وأنت ما زلت تمارس المعصية، إذن يجب أن تقلع عن المعصية. تندم
وتشعر بالندم في صدرك أنك قد وقعت في هذه المعصية، لا تكون فرحا وتتحدث عنها كأنك فارس نبيل لأنك قد فعلت هذه المعصية، بل ينبغي أن تكون خجلا ومتواضعا، ولذلك ما الذي يظهر أنك لست فرحا بها؟ الستر، الجميل أنك عندما ترتكب معصية لا تجلس تتفاخر بها. بين الناس يغفر الله إلا للمجاهرين قالوا ومن المجاهرون يا رسول الله قال رجل يفعل الخطيئة بالليل يستره الله ثم يصبح فيقول فعلت كذا وكذا أي أنه يجاهر ويفتخر وهذا ضد النظرة الأخرى العصرية
التي تقول لك كن شفافا وقل كل شيء تفعله لأنه لا توجد معصية ولا شيء أي شيء تفعله من الخطيئة قلها هكذا وافتخر بها أمام الناس الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، قوم يتكلمون بالمعصية وكأنها ليست معصية ولا شيء، فيكون الإقلاع عن الذنب أولا، ثانيا الندم، ثالثا العزم على ألا يرجع لمثلها أبدا، أدام معصية ودم خطيئة و من القاذورات وآثام مما لا يرضي الله فكيف أعود إليها، لن أعود إليها أبدا، هذا إذا كان الأمر بينك وبين الله، فإذا كان هو الذي
بينك وبين الخالق هكذا، أما الخلق فقال الخلق يجب ألا بد أن ترد إليهم ما أخذته منهم، يعني لو أن أحدا سرق فيجب أن يرد إذا ارتشى فيجب أن يرد الرشوة، وإذا اغتصب قطعة أرض فيجب أن يرد المغتصبة ويجب أن يرد ضمانا لما أتلفه، وإذا أتلف شيئا كسيارة وصدمها فيجب أن يدفع ثمنها إلا إذا سامحه الرجل صاحب هذا الشيء، فإذا كنا الآن أمام توبة والتوبة النصوح هي التي تتوفر فيها تلك
الشروط المذكورة دخل في بالك التوبة هذه في أول الأمر يعني أنا تبت الآن من الذنب ومن ضمنه الندم فلا تبق نادما لأن ذلك يجعلك تتخبط قالوا وبعد ذلك تبنا إلى الله وكذلك وصلينا وصمنا والحمد لله وهكذا قال تنسى الذنب هذه المرحلة الثانية إذن فالمرحلة الأولى استحضر الذنب واستعظمه واندم وابك وبعد ذلك ينساه هذا يفيد إذن هل أنا ارتكبت ذنبا لا الحمد لله أنا صفحة بيضاء عمري ما ارتكبت ذنبا قم هذا يساعدني على أن أتوب نسيان الذنب في البداية يقول تعالى ثم يتوبون من قريب هذه قصة أخرى نذكرها في حلقة
تالية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته