سورة النساء | حـ 620 | 26 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 620 | 26 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يصف نفسه ويصف العلاقة بينه وبين خلقه ويصف مراده من وحيه وشرعه يقول يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ولنا أن نربط هذه الآية بما سبقها من الآيات وهذا يسميه العلماء المعنى من خلال السياق أي ونحن نقرأ الآية
الأولى فالثانية فالثالثة ونحمل هذه الآية على ما قبلها أي الذي استمعنا إليه من قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ومن قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم ومن قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ومن قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا إلى آخره، هذا يريد الله أن يبين لكم أولا وأيضا يريد الله أن يهديكم ثانيا وأيضا يريد الله أن يتوب عليكم ثالثا وبذلك نكون قد فهمنا الآية من خلال السياق أي مرتبطة بما قبلها أي لها معنى، هذا المعنى ينصب
ويكمل ما قبلها وهذا جائز في القرآن كله، وهناك ما يسمى بالدلالة الاستقلالية وهو أن هذه الآية ولأنها آية لها بداية ولها نهاية وكان الله يخاطبك بها حتى خارج السياق، فتجد أنها قد اتسعت واتسع أفقها ومجالها. وأوضحت العلاقة بينك وبين الوحي كله وليس بينك وبين هذه الأحكام فقط أحكام الزواج وإنشاء هيكل القرابة وما الذي حرمه علينا وما الذي أحله، بل إن الله سبحانه
وتعالى وهو يتعامل معنا عن طريق وحيه فيأمر وينهى يريد أن يبين لنا، والله سبحانه وتعالى لا يريد أن يبتدئنا بالمؤاخذة والعذاب. بل يريد سبحانه وتعالى أن يهدينا، والله سبحانه وتعالى لا يريد مؤاخذتنا ولا يريد عقابنا، بل يريد أن يتوب علينا. هذه صفات الإله سبحانه وتعالى، فهو رحمن رحيم تجلى علينا بصفات جماله، وهذا هو الأساس الذي ينبغي عليك ألا تنساه أن الله سبحانه وتعالى وله الحجة البالغة وهو أحسن القائلين. وأن الله سبحانه وتعالى هدى فأحسن الهداية وأن الله
سبحانه وتعالى قدم التوبة على عذابه وعلى عقابه وعلى مؤاخذته فهو يريدك أن تتوب وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فما العلاقة بينك وبين ربك الذي يبين ويخلق قدرة الطاعة فيك ثم بعد ذلك يتوب عليك إذا أخطأت إنها علاقة المحبة إذا فأنت حبيب الله والله حبيبك فمن أين يأتي التشويش منك أم من الله؟ الله مبين يبقى التشويش لا بد سيأتي منك تضحك على نفسك تريد أن تخادع الله أو تخادع الذين آمنوا التشويش
منك الظن أنا عند ظن عبدي بي تظن بالله سوءا لماذا؟ إذا الاضطراب يأتي منك إن كان في قضية البيان أو كان في قضية الإضلال أو كان في قضية المعصية، لأن الله من شأنه البيان ومن شأنه الهداية ومن شأنه التوبة، ولذلك ختم الآية وقال والله عليم حكيم، فلأنه عليم فهو يبين أحسن البيان، ولأنه عليم فهو يهدي من يستحق الهداية ممن أحسن نيته لله. وقصده
لله ولأنه سبحانه وتعالى عليم فهو يعلم من يتوب يا ابن آدم لو جئتني بقراب الأرض ذنوبا ثم جئتني تائبا لغفرت لك أصلا لا يهمه شيء ولا يناله منا ضرر ولا معصيتنا تؤثر فيه سبحانه وتعالى وهو خلقنا على جانب النقص والضعف ولذلك فإنه يصدر منا النقص والضعف فهو قد فتح لنا أبواب رحمته سبحانه وتعالى ولم يكلفنا بما لا نطيق يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم يبقى الله يهدي لكن هنا توجد إضافة وهو
ما نسميه في الدراسات العلمية بالتجربة التاريخية وأن الله سبحانه وتعالى يرشدنا أن نستفيد من التاريخ ومن جريان حركته وأنه نكون عبادا ربانيين عندما نحسن قراءة التاريخ ونحسن استخراج العبرة منه ونحسن تنفيذ هذه العبرة التي أخذناها والعظة التي استنبطناها تنفيذها في حياتنا فلا نفعل مثل ما فعلت الأمم من قبلنا وما
أسباب انهيار الحضارات فنتقيها وما حركة التاريخ وهل هي في ازدياد ونقصان فيكون ذلك تعليما لنا لا نيأس ولا نحبط إذا ما هبطنا بعد علو، ما ترى طيرا ارتفع إلا كما تراه وقع، وتلك الأيام نداولها بين الناس. الحكمة رأوا كذلك الحضارة الإسلامية لما قامت وظهرت ثم ضعفت ونامت، لا نيأس ونقيمها مرة أخرى.
إذا كان كل هذا لافتا لنظر المؤمن الرباني في قضية الاستفادة من يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته