سورة النساء | حـ 630 | 34 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء، والله سبحانه وتعالى ينظم لنا العلاقة الاجتماعية التي أساسها العلاقة بين الرجال والنساء، ويضع - حيث خلق لكل واحد منهما خصائص ووظائف، وجعل لكل واحد منهما مراكز، وجعل العلاقة بينهما على حد. التكامل وأنشأ هذا في ظل شرعية هي شرعية الزواج واشترط في الزواج شروطاً وحرم علينا محرمات وبين لنا كل ذلك في عمود للقرابة وأساس للأسرة. يقول ربنا
سبحانه وتعالى: "الرجال قوامون على النساء"، وهنا يعني أن الرجال لهم القوامة، والقوامة مركز قانوني له وعليه. بعض الناس يعتقدون أنه تفضيل مطلق. أو أنه نوع من أنواع التشريف، ولقد ذكرنا قبل ذلك أنه حتى لو كان كذلك لكان فيه تكليف، لأن كل تشريف في القرآن هو معبر وكاشف في ذات الوقت ونفسه عن التكليف. فإذا كرم الله بني آدم "ولقد كرمنا بني آدم"، فهذا تشريف يكون ابن آدم مكلفاً لا كالحجر ولا كالشجر ولا كالبقر ولكنه
يكون كالبشر، يُكلَّف بحقوق ويُكلَّف بواجبات. فهو تشريف لكنه تكليف. وإذا قال: "وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً" أو قال: "كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس"، فإننا كذلك بدون شك. وحتى لو كان ذلك تشريفاً إلا أنه تكليف، تكليف بالتبليغ وبإحسان التبليغ، وبالشهادة على العالمين، وبأن نكون شهداء على. الناس وأن يكون الرسول علينا شهيداً، كل ذلك هو تكليف لنا وهو الذي يقتضي التشريف. فإذا كانت القوامة هي القيادة، فإنها تكون تكليفاً على الرجل لا مجرد تشريف. حتى
لو اعتبرنا أن القائد مفضل على الجندي، إلا أنه مع فضله للقيادة، فإنه مسؤول عن ذلك الجندي ومسؤول عن متبوعه. حتى إن القانونيين يقولون مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، فالمتبوع قائد له الريادة لكنه مسؤول ولا بد من المسؤولية كوجه آخر للسلطة. ومن هنا قال الإداريون وكأنهم قد توصلوا إليها بخبرتهم، والله يشير لنا في كتابه كله إلى هذا، أن السلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة. فإذا كان قد أعطانا الله سبحانه وتعالى كرجال سلطة فقد
أوجد مع هذه السلطة وفي ذات الوقت مسؤولية، فإذا كانت هناك قيادة للأسرة تطيع فيها المرأة الرجل، فإنه في ذات الوقت مقتضى القوامة إحسان العشرة ومقتضى القوامة النفقة ومقتضى القوامة الرعاية والعناية ومقتضى القوامة تحقيق المصلحة ومقتضى القوامة وهكذا، وترى التكليف فيها واضحاً كالتشريف لأن التكليف والتشريف وجهان لعملة واحدة. الرجال قوّامون على النساء بمعنى بسبب الذي فضّل الله بعضهم على بعض وبمعنى بسبب ما أنفقوا من
أموالهم. إذاً القضية أن هناك نوع تفضيل، لكن هناك نوع تكليف وواجبات ومقتضيات حتى تتحقق هذه القوامة. فالذي يفهم القوامة تشريفاً ولا يفهمها من خلال ذلك. التشريف أي تكليف فهو نوع من أنواع الاكتفاء، وهذا الاكتفاء أصاب العقل المسلم وجعله يأخذ ولا يعطي، وأول ما أصاب العقل المسلم تأخرت الحضارة ونامت، ولم نعد شهداء على الناس، بل أصبح الناس يتحكمون فينا ويسيرون في نماذجهم المعرفية وفي عقولهم على خير ما أراده الله لنا، فلقد أراد الله. فينا الإنسان
قتل الإنسان أمام الرحمن، ثم قتل الإنسان أمام الأكوان، ثم قتل الإنسان أمام الإنسان. وهم في تقدمهم وصناعتهم وتراكمهم المعرفي يدلسون على الناس أن هذا هو الحق. وكم من حضارة بُنيت على الفساد، وكم من حضارة بُنيت على القوة، لكنها لم تُبنَ على الإنسان، ولذلك قالوا إن هذه حضارة بنيان وهذه حضارة إنسان، وحضارتنا حضارة إنسان تراعي الأكوان بعد أن راعت الرحمن. ولكن حضارات أخرى نُزِع منها الرحمن ونُزِع منها الإنسان ولم تبقَ إلا الأكوان، فصرنا كالحيوان أو أخس من الحيوان. كل هذا إجابة على
سؤال سأله المنصفون: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ خسروا كثيراً وهم في أشد... الحاجة إلينا الآن أن يتعجب أحدهم كيف وهم يعملون وأنتم لا تعملون، وهم ينتجون وأنتم لا تنتجون، وهم يزدادون في القوة وأنتم تزدادون في الضعف. إذا كان الأمر من هذا القبيل فإن الخطأ يكون فينا لأننا تركنا ما أمرنا الله به ورسوله، ورأينا القذاة في عين أخينا وتركنا جذع النخلة في عيننا. أعيننا فإننا عندما نخالف الله ونخالف رسوله نكون أشد إجراماً من أولئك الذين لم يعرفوا الله ولا رسوله
واجتهدوا في عمارة الأكوان حتى مع نسيان الرحمن ومع قتل الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعلهم شهداء على الناس ولم يكلفهم بأن يكونوا كذلك. الذي كلفه هو من بلغه والذي بلغه. هو أنت فابدأ بنفسك ثم بمن يليك وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، وهنا يصف الله سبحانه وتعالى الرجل الجيد. ويصف المرأة الجيدة بعض
الناس يقولون إن المشكلات التي نعيش فيها إنما هي لأن الرجولة قد انتهت، لا يوجد رجال، وأنا أقول ولا نساء، يعني لا يوجد رجال ولا يوجد نساء، أي الذكورة والأنوثة، لا الرجولة كما أرادها الله والأنوثة كما أرادها الله، وحينئذٍ قد فقدنا الأصول. تهنا وضلت منا بوصلة الاتجاه، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.