سورة النساء | حـ 662 | 46 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 662 | 46 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا". إذاً المصيبة الأولى التحريف، والمصيبة الثانية هذا القول "سمعنا وعصينا"، يعني فيه عناد وجحود وبذلك يختل. التفاهم بينهم وبين دينهم وبينهم وبين رسولهم، واسمع غير مسمع، وراعنا ليًّا بألسنتهم.
فثلاث أمور بالإضافة إلى التحريف تصبح أربعة أمور: سمعنا وعصينا، نحن نفهم ما تقول، اسكت الآن لأننا لن نطيعك. حسنًا، سكت. اسمع الآن يا رب! لا تسمع. ماذا؟ أتريدني أن أسمعك أم تريدني أن أتشاجر؟ قال لي: "أنا أريد أن أتشاجر معك"، ولو كان يريدني أن أستمع إليه لقال لي "استمع" ثم
يتحدث، فأستمع وأفهم ما يريد. لكنه يقول شيئاً ويقصد شيئاً آخر، يعني يقول: "أنا أريد أن أتحاور معك"، ويتمنى أن أرفض الحوار معه لكي نتشاجر. يا إلهي يا إخواني، ما هذا! ذاتها نظرية صدام الحضارات ولا غيرها. نظرية صدام الحضارات ماذا تقول؟ تقول إننا نملك كلاماً نريد أن نقوله ونريد أن نُسمعه للحضارة الأخرى، لكن هذه الحضارة الأخرى يا ليتها لا تسمع
ما نقوله، ولذلك سنصطدم معها. وعلى فكرة، هي لن تسمع هكذا يقولون، فنأتي نحن ونقول لهم هيا إلى الحوار. الحوار ماذا؟ نحن كما قلنا أنه لا يوجد حوار في الصدام. نعم، أنتم تقولون استمعوا، فنحن نستمع الآن وسنتحاور معكم لكي نرى القواسم المشتركة. قال: لا يوجد مشترك، لا يوجد قاسم مشترك بيني وبينك، إنما يوجد أن أصطدم معك. حسناً، وبعد ذلك، هذا قرارٌ إذن. قال: هذا بالضبط يا إخواننا، اسمع. هذه هي الحياة التي نعيشها. طبعاً ليس كل البشر يقولون هكذا، إنما هي طائفة سياسية ترى صدام الحضارات، والباقون لا يوافقون عليها، ويقولون لهم: لا. ولكن الناس تقول: نريد أن نستمع ونتحاور ونعمل، وأن نجلس كالآدميين ونستمع بعضنا لبعض. انظر إلى الفكر المستقيم والفكر.
غير المستقيم هذا فكر رباني، فكر الحوار، وهذا فكر ليس ربانياً، فيه تحريف للكلم عن مواضعه وهو فكر الصدام. إذاً هذه الآية تبني لنا كيفية التفكير المستقيم. هذا التعبير ربما صعب على كثير من الناس، و"سمع غير مُسْمَع" تعبير هكذا، ما معنى سمع غير مُسْمَع يعني ويزيد من... أن الواحد غير متمكن منه كثيراً أنه غير مصدق، معناه أنت منتبه. هل
يوجد أناس هكذا؟ أمعقول أن يوجد أناس يقولون: يا شر اشترط! نحن منتبهون أن الإنسان كإنسان عندما يُدعى إلى الخير ويكذب من جهة الخير، يعني يرق قلبه، يا إنسان. أخي إنما في ذلك يقولون يا شر اشترط في إنما طائفة قليلة. الحقيقة أنها طائفة قليلة والطائفة الكثيرة من بني البشر على مذاهبهم وأديانهم ومللهم ليس كذلك، ولذلك حكمة بالغة تبين أن هذا الكتاب من عند الله. سيدنا محمد ليس عنده إحصائيات بالبشر ولو كان عنده إحصائيات بالبشر الذين يعيشون معه فليس معه إحصائيات بالبشر التي سوف تأتي، وبعد ذلك يقول من
هذه ومن هذه، وهذه لوحدها تُثبت أن القرآن هذا من عند الله. "من الذين هادوا"، نعم لأن هذه لا يمكن لأحد أن يفعل هكذا كثيراً، هذه طائفة صغيرة هكذا، هو بعض الناس من الذين هادوا، البعض يقول "واسمع غير مُسمَع"، اسمع. لو كان قال "واسمعتكم" يا سلام، فسيكون حواراً متواصلاً: اسمع كذا وكذا وكذا وكذا، وتُنقل الفكرة. لكن "اسمع" تختلف عن "أسمِع". نحن لا نريد "اسمع"، إذاً لماذا قلت "اسمع"؟ إنه إثبات حالة كي أقول إنك تعصي. "رمتني بدائها وانسلت". حسناً، وراعنا بالسخرية والاستهزاء والتلاعب بالمصطلحات. "راعنا" هذه.
أريد أن أؤلف عنها تحت مصطلح "الإرهاب"، من الذي قال لك أنها إرهاب؟ ألا يمكن أن تكون هذه الترجمة خاطئة، وأن الترجمة الصحيحة هي "إرجاف"؟ الإرجاف الذي ورد في قوله تعالى: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً". الذين هم طائفة المخربين للمجتمع، لكن تأتي كلمة "رهبة" ومنها "رهبان"، وأن منهم قسيسين ورهبان،
وأنهم لا يستكبرون. هؤلاء الرهبان شيء يعني ماذا؟ من الرهبة التي لله، يعني تأتي بكلمة تعني قوة الردع والسلام، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، قوة. الطريق الذي يؤدي إلى السلام، إذا كانت الترجمة خاطئة. "راعنة" هذه بالعبرية معناها سيئ، وبالعربية معناها جميل. إنه خلط وتلبيس في الترجمات، وهذا ماذا يُحدث؟ لو قلت الإسلام دين أرجف، سيضحك الناس عليك داخلياً وخارجياً، فذهبوا يختارون الكلمة
التي تفعل ماذا؟ "لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم". تعلمون أيها الإخوة، لا تقولوا إن الإسلام دين إرهاب بالمعنى السيئ، لأن هذه كلمة في اللغة العربية لها دلالات طيبة ويمكن أن تُستعمل بدلالات سيئة، فلماذا تلبسون الحق بالباطل؟ لا تفعلوا هكذا. هو يفعل ذلك لكي يقول دائماً "ترهبون به"، وأنتم تقولون إنكم إرهابيون، ويُلبِس الردع وقوة الردع التي تؤدي... إلى السلام يلبسها بالتخريب والإرجاف؛ ما أشد رعونتها! أي رعونةٍ هذه التي يُتقلب فيها؟ إن ربنا يقول لنا: انتبهوا للمصطلحات، انتبهوا
للمفاهيم (الترمينولوجي)، انتبهوا للترجمة بين العبري والعربي، احذروا أن هذا يصنع فتنة "ليًا بألسنتهم وطعنًا في الدين". إلى ماذا سيؤدي الطعن في الدين؟ ولو أنهم قالوا... سمعنا وأطعنا، واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم. يعني هنا ماذا أصبح؟ عدل الحكاية. طيب نقول ماذا؟ نعم تقولون هكذا، تقولون ها هو. ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا، اسمعنا، ها حوار ها هو، وانظرنا. كلمة "راعنا" موجودة، و"انظرنا" موجودة. اختر الكلمة الصحيحة التي لا تؤدي إلى الطعن في الدين، لكان خيراً لهم وأقوى.
ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.