سورة النساء | حـ 674 | 53 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 674 | 53 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يعلمنا كيف نفهم النفس البشرية وكيف نبني من خلال ذلك الفهم المجتمع البشري وكيف نسترشد بالله سبحانه وتعالى وقد جعل كتابه هدى للمتقين، يقول في سورة النساء: أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا. وهذه خصيصة يراها الإنسان في نفسه ويراها
في غيره، وربنا سبحانه وتعالى يدلنا على مفتاح الأمر كله، ومفتاح الأمر أنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأن صاحب هذا العالم هو الله وأنه هو الملك القدوس وأن ملكك في يديك عارية منه فهو الرزاق الرازق سبحانه وتعالى حتى إن حياتك إنما هي منه فإنه هو المحيي المميت الحي القيوم جل جلاله فلا ملك في الحقيقة إلا له ولا حول ولا قوة إلا به ولا يكون
في كونه إلا ما أراد والله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الذي يرزق من يشاء ويقدر على من يشاء وهو الذي يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء وهو الذي يجعل الأيام دولا تارة تكون الدنيا في يدك وتارة تكون الدنيا عليك والأمر كله بيد الله لا قوة بك وإنما الحول والقوة بيد الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان من أذكار المسلمين ومن الكلمات الطيبات العشر ومن الباقيات الصالحات، وأرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من كنوز العرش: لا حول ولا
قوة إلا بالله، وكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله كما شرحها ابن عطاء حكمة التي سميت بالحكم العطائية هي مفتاح الأمر كله وهنا يقرر الله سبحانه وتعالى من جهة الملك هذه الحقيقة التي تريح الإنسان والتي تدفعه دفعا لا تمنعه منعا من أن يعبد الله مخلصا له الدين ومن أن يعمر هذه الأكوان وتكون الدنيا في يده لا في قلبه ومن أن يزكي النفس فيجد نفسه تستجيب لهذه التزكية من غير معارضة ولا عناء ويدخل إلى ذلك كله من جهة المال الذي هو أعز عند كثير من الناس من النفس
أو يساويها عند كثيرين آخرين فإن المال شقيق الروح كما يقولون ولكن الروح والنفس قد تقدمت عليه يفديها به في كثير من المواقف إلا أن حبهم للمال يكاد يساوي حبهم لأنفسهم، فيقول على سبيل السؤال، على سبيل الاستنكار: أم لهم نصيب من الملك؟ من ملك هذا الكون؟ ولو أن لهم نصيبا من الملك لكانوا شركاء مع الله، جل الله في جلاله وعلاه، فإنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، فليس لهم شيء. في الملك أبدا وعبر
بكلمة نصيب وهي تطلق على أقل القليل فنصيبك في الميراث قد يصل إلى واحد بالمائة من العقار أو الأرض أو المال المتروك لكنه نصيب فلما نفى النصيب فقد نفى الأقل والقاعدة تقول إن نفي الأقل نفي للأكثر فإذا قلت ليس معي مليم أحمر وكان المليم قديما أحمر فتقول ليس معي مليم أحمر يعني ليس معك ما فوقه فنفي الأقل دائما يلزم منه نفي الأكثر أم لهم نصيب من الملك على سبيل الاستنكار والقطع
ولا بد أنه ليس لهم نصيب من الملك وعلى هذا فليس لهم شيء أبدا قل أو كثر أم لهم نصيب من الملك غير لهم الملك لأنه لو كان يقول أم لهم الملك لقام أحد المعاندين أو ممن رزقهم الله شيئا من ملك الدنيا أو من مالكيتها لقام وقال نعم أنا عندي نصيب من الملك وليس عندي الملك كله أبدا هو يسأل عن ذلك النصيب قل كان أو كثر ويورده في صيغة السؤال حتى ينبه أولئك الأقوام وحتى يلفت أنظار
المؤمنين ثم يقول فإذا لا يؤتون الناس نقيرا وهذا نعالجه في حلقة قادمة إن شاء الله لأنه يكشف عن الجانب الآخر للإنسان إذا ما أوتي شيئا من الملك فما الذي سيفعل وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته