سورة النساء | حـ 677 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 677 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فأُقِرُّ هنا أن الناس تحسد الناس وأن الحسد قد تولَّد من الغيرة وعرفنا أن الغيرة منها ما هو طيب ومنها ما هو غير ذلك، وهذا سؤال للاستنكار: "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"، فهذا الحسد
ينكره الله سبحانه وتعالى، وعدم ذلك الحسد هو الرضا بأمر الله. كان الناس الطيبون في الماضي عندما يجدون شاباً يعترض على طبقته وعلى أبيه وعلى أمه... وعلى رزقه وعلى حاله وما إلى ذلك، بعض الناس يقولون: "يا بني، أنت ستغير الكون؟"، انظر إلى هذه العبارة، فيها رضا وفيها تسليم، لكن ليس فيها خنوع. هذا فهم من قرأ عن الإسلام لا في الإسلام، فهم من نظر نظرة عجلى من غير تدبر
ولا تربية على يد شيخ، أن هذا خنوع، فدعا إلى... عدم الرضا وعدم التسليم خطأ، نحن ندعو إلى عدم الخنوع مع الرضا والتسليم، وهذا فن، أصبح فن التربية. كيف تكون راضياً "رضي الله عنهم ورضوا عنه"، يعني أنت سترضى عن ربنا وتتلذذ هكذا فيما أقامك الله فيه، ولكن سبحان الله، ما أنت الساكت هذا، أنت تسعى، ما أنت الساكت هذا. أنت تغيّر أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، ما أنت الساكت، إنك تعمل ليلًا نهارًا. ما أنت الساكت، إنك تدعو وتقول يا رب، فإذًا عندك وعي
وعندك سعي وعندك رضا وعندك تسليم، ومن هنا يحدث أنك تسير في الحياة دائمًا وأبدًا من رقي. إلى رقي وفي نفس الوقت ليس هناك تعجل وليس هناك تبرم وليس هناك اعتراض وليس هناك جملة تجمع كل هذا الاضطراب. أنت تقول يا رب، ولكن يا رب ليس وأنت مستلقٍ على قفاك تحلم، بل يا رب وأنت تعمل. أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فيا رب. تجعلك تنال من فضله، والرضا والتسليم يجعلك غير متضجر، والسعي
يجعلك تنتقل من حال إلى حال بأصل وعد الله لك "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله". طيب قلنا في حلقة سابقة أن هذا لا يكتبه بشر، لماذا العبارة متقنة جداً محكومة جداً وفي نفس الوقت عامة. جداً أم يحسدون الناس. ناس، مَن يدخل فيهم؟ الأنبياء يدخلون، يدخل فيهم الفقراء، يدخل الرجال نعم، النساء نعم، الماضون نعم، الذين سيأتون
غداً نعم، المؤمنون نعم، الكفار نعم. الله! ما هذا! "أم يحسدون الناس"، كلمة عندما تجلس تبحث فيها وتزيد في البحث تتعجب، كلمة في غاية العمومية وهو يتكلم عن... قاعدةٌ في غاية الخصوصية، هذه المسألة لا تأتي إلا للأمم بعد تفكُّر عشرات السنين، بل مئات السنين، بل آلاف السنين، وتتولد من هذا الحكمة، وتتولد من هذا الأمثال الشائعة الجارية. إذن، وسيدنا محمد الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى في
اثنتين وستين سنة وبضعة شهور، والذي أوحي إليه من هو. ابن أربعين سنة، ثلاثة وعشرين سنة فارغ يفكر كل هذا التفكير الحكمي وكل هذا التفكير اللغوي. لا، الحقيقة يعني هذا ممن خلق الشعوبة وخلق الزمان وخلق اللغة، هذا الله الذي يتكلم، يقول: "أم يحسدون الناس". المرء عندما يجلس ويتمتع بالقرآن، يقف عند هذا: "أم يحسدون الناس"، ما هذا! هذا إلى هنا. العبارة هكذا هي داخلة في تقرير شيء عجيب غريب "أم يحسدون الناس" وبعد
ذلك على ما آتاهم الله الذي هو ماذا؟ الصحة أو السلطة أو الجمال أو المال أو الذكاء أو العلم أو القوة أو الحضارة أو السعادة أو ماذا بالضبط أو الوحي، ماذا بالضبط الذي هو؟ يحسدون الناس على ما آتاهم الله، أهي شيء واسع جداً من فضله. من فضله يعني من زيادته، يعني هو مغرقهم في الخير. أو من فضله يعني بأمره وكما يشاء، تصلح وتصلح. الله، إذا كانت
الآية بهذا الشكل سيكون فيها تسعمائة تفسير، فيها تسعمائة تفسير وهي لم تكتمل بعد. سطر؟ ماذا هناك؟ ما الأمر؟ أخبروني إذاً. أحضروا لي شيئاً وافعلوا به هكذا. لقد كان هناك مترجم اسمه جاك بيرك ترجم معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية، فكتب مقدمة مليئة بما في القلوب، فقال: نريد أن نحلل القرآن تحليلاً لغوياً. حسناً، تعال، تعال لنحلله تحليلاً لغوياً. ما هذا؟ حسنًا، نحن موافقون. تعال وحلله تحليلًا لغويًا، لكن حلله تحليلًا لغويًا محايدًا،
لا أن تحلله تحليلًا لغويًا واضعًا في ذهنك أنه من كلام البشر. بل حلله تحليلًا لغويًا باحثًا عما إذا كان من كلام البشر أم لا، وتعالوا الآن انظروا ما هذا، ما هذا الكلام، إنه كلام جميل والله. أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.