سورة النساء | حـ 680 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 680 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما". إذا لم يقتصر الأمر هنا في آل إبراهيم لم يرزقهم الله الفهم الصحيح للكتاب والقدرة الصحيحة للتنفيذ فحسب، بل أعطاهم أيضا ملكا عظيما يقدرون به
على استمرار ذلك التنفيذ. إذن فعلينا أن نعي هذه الأمور الثلاثة: فهم الكتاب والقدرة على التنفيذ والملك الذي يؤدي إلى الاستمرار، وإذا اختل واحد من الثلاثة فإنه يختل أساس من الأسس المجتمع الرباني فقد تؤتى أمة الملك العظيم لكنها لا تؤتى فهم الكتاب ولا الحكمة، وقد تؤتى أمة أخرى الكتاب فتفهمه لكنها لا تؤتى الحكمة في التطبيق فتسيء التطبيق وتتحول العبادة إلى
عادة، وقد تؤتى الكتاب والحكمة لكنها لا تستمر لأنها قد فقدت الملك العظيم، ولذا نرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مكة يؤمن به الناس يمدحه المشركون قبل المؤمنين به فيصفونه بالصادق وبالأمين ويضعون عنده أماناتهم وودائعهم صلى الله عليه وسلم على المستوى الفردي أو على مستوى الرسالة كان مقبولا عند الناس ولكن لم
يستطع أن يبني ملكا أو لم يستطع أن يبني مجتمعا ربانيا في مكة لماذا لأنه ليس معه مال، السيدة خديجة كان على قدره هو فقط كذلك في قيامه بنفسه بأسرته بمن حوله بهذا، لكن ليس مال دولة، لما ذهب إلى المدينة جاء المال فبنيت الدولة، إذن المال عصب الحياة، كلام قاله الماديون إلا أنه يترجم عن حقيقة هي جزء من كل ما هو المال عصب الحياة ولكن ليس هو فقط، فعندما نأتي للتعامل مع هذا يقوم أحدهم ويقول ماذا؟ إذا ما دام هذا خرج من أفواه هؤلاء
الناس فيكون المال ليس عصب الحياة، خطأ! لا، المال عصب الحياة ولكن ليس وحده، لا بد من الكتاب ولا بد من المال مع الكتاب والحكمة سيفعلون شيئا، المال وحده لا يفعل شيئا، الكتاب وحده لا يفعل شيئا، الحكمة وحدها لا تفعل شيئا، هذا يتطلب كتابا وحكمة ومالا عظيما. عندما نكون هنا في جامع السلطان حسن، السلطان حسن هذا مملوك من المماليك، شيء بديع جدا، المسجد في عمارته شيء بديع جدا، الفنون إلى القمة في هذا العصر وبعد ذلك
واجهنا أياما ذهب منا فيها الملك العظيم، كيف ذهب من الذهب؟ ما الذي حدث؟ الذي حدث ثلاث أو أربع مصائب، كل مصيبة مسمار في عرش الملك العظيم. المصيبة الأولى الوباء الأسود في عام سبعمائة وتسعة وأربعين، الوباء الأسود أصاب البلاد وكان فيها كذا مليون يمكن في تقديرات تقول يعني ممكن أن تكون صحيحة أو خاطئة عشرون مليونا مصر أصبحنا مليونين ونصف الوباء
الأسود هذا معروف في التاريخ اسمه الموت الأسود مليونان ونصف يقول ابن حجر فكان الميراث ينتقل في يوم واحد في تسعة بيوت المصيبة السوداء هذه يعني واحد مات فالميراث ذهب لزوجته عائلة ثانية هذا ميراثه من عائلة ثانية فماتت فذهب الميراث إلى أخيها فمات فذهب لزوجته إلى ثالثة فمات فذهب لأبيها فمات الأب فذهب لزوجته إلى خامسة تسع مرات تسع عائلات ينتقل الميراث لكن انظر الآن هذه المصيبة في يوم واحد في يوم واحد يكون إذن لا بد من
الاهتمام بهذا التكوين السكاني من الملك العظيم، حسنا في الثانية حوالي هذا العصر هكذا فاسكو دا جاما ذهب مكتشفا رأس الرجاء الصالح، فذهبت السفن بدلا من أن تأتي إلى هنا وتنزل وتذهب إلى الهند وكانت هناك تجارة عبر مصر تستفيد منها، فالتفوا من تحت أفريقيا وذهبوا إلى مباشرة يصبح الأفراد قليلين والسكان قليلين والمرض منتشرا، فإذا لم يكن هناك الملك العظيم فقد بدأت الحضارة تنسى. إذن يجب علينا أن نقرأ التاريخ من خلال ما أفهمنا الله
سبحانه وتعالى إياه، فقد آتينا إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، يعني أن الغنى الذي حصل لنا كان من عندنا. والقوة والحضارة والفنون والآداب والعمارة التي حصلت لنا إنما هي من عند الله، ولكن هناك من يشكر وهناك من يكفر، فالذي يشكر "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" وآتيناهم ملكا عظيما، فاللهم أرجع إلينا حضارتنا وارزقنا من حيث لا نحتسب واجعل قلوبنا تذكرك بالليل والنهار وتشكرك يا رحمن. على ما كانت وإلى لقاء آخر، نستودعكم
الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.