سورة النساء | حـ 681 | 54-56 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما" وعرفنا فيما سبق أن هذه أركان قيام المجتمعات القوية التي تسعد بربانية الأوامر الإلهية الكتاب والحكمة والملك العظيم وأن بهذه الثلاثة تستقيم الحياة ولكن لا تدوم إلا بالإيمان بالله وإلا بالتمسك بهذا المجتمع الرباني ولذلك
يقول ربنا سبحانه وتعالى على أولئك الخلف الذين لم يراعوا موصول السلف ولكنهم ابتدعوا وحادوا عما كان في الأمر الأول فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا، إذا فمن آمن به فإنه يعيش في الجنة في الدنيا وينقلب يوم القيامة فيدخله الله الجنة في الآخرة، وهذا معنى أن الدين هو سعادة الدارين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، فمن استقام عليه فإن الله سبحانه وتعالى يؤتيه
أجره مرتين أي مرة في الدنيا ومرة في الآخرة، ومن انحرف عنه فإنما يؤذي نفسه أول ما يؤذي. فمنهم من آمن به، ومن آمن به تمسك به، ومن تمسك به حصل على ثمرته وفائدته. ومنهم من صد عنه، والصد عنه فيه نوع من أنواع الإرادة ونوع من أنواع الاختيار ونوع من أنواع الطغيان. نوع من الأنواع وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، أي أنهم لم يفعلوا هذا عن جهل بالكتاب ولا جهل بالحكمة ولا جهل بمقتضيات الملك العظيم،
لم يفعلوا هذا إلا عن وعي وعن إدراك وعن اختيار، فاختاروا العاجلة على الآجلة واختاروا مراد أنفسهم على مراد الله سبحانه وتعالى، فمنهم بعضهم من آمن به ومنهم من أعرض، انظر إلى كلمة أعرض هذه، أعرض عنه أعرض يعني رأى ثم استدار عنه ثم خالفه، رأى أن هذه الحالة تسير هكذا يمينا فصار هو في اليسار، تسير شرقا فصار هو مغربا، صارت مشرقة وسار مغربيا، شتان بين مشرق ومغرب، أعرض
عنه وليس فقط أنه التفت لا، بل تركه بالكلية، فكان إذا سار على مراد الله يسير يمينا، وكان إذا سار على غير مراد الله يسير يسارا، وكلمة "صد عنه" أيضا لا تشمل المخالفة فقط ولا تشمل الرفض فقط، بل تشتمل أيضا على الحرب، فإنه يحارب منهج الله وهو لا يريد هذا المنهج، وبعد أن يستوعبه وهنا كان من المناسب أن ينبهه أنه سوف يدخل جهنم، وهناك
لفتة عظيمة ينبغي أن نلتفت إليها وهي أن دخول جهنم ليس قاصرا على يوم الآخرة بل إنه يمكن أن يدخل الإنسان جهنم في الدنيا، فجهنم فيها ضيق وفيها عذاب، ليس فيها اطمئنان وليس فيها سلام، وإنما فيها تكدير للصفو. والذنب والمعصية ومخالفة الفطرة والصد عن سبيل الله والالتفات عن منهجه سبحانه وتعالى يجعل الإنسان في جهنم في الدنيا، كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر. كذلك العذاب يعني
عذاب الدنيا هكذا، كذلك العذاب يعني العذاب الذي تدخل فيه بناء على مخالفتك وصدك عن سبيل الله ومنهج الله، ولقد وجدنا كثيرا من يشعر بذلك العذاب ويتألم به ونقول له طيب ما هو الأمر بيديك اخرج منه تب إلى الله فإذا به لا يستطيع واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه هذا إذن عذاب لا يوجد بعده شيء يعني الإنسان يعرف أنه مخطئ ولا يعرف كيف يخرج من خطئه وتغلبه نفسه وتكون أقوى وتجعله يستمر في هذا الصد على الرغم من أنه يعلم الحق فيتحول من كونه كان ضالا إلى كونه مغضوبا عليه صراط
الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ثم يقول الله سبحانه وتعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما إن الذين كفروا بآياتنا والآيات قد تطلق على ما أنزله الله في كتابه المسطور في
الوحي على أنبيائه في القرآن الكريم وقد تطلق أيضا على دلائل عظمة الله سبحانه وتعالى في الكتاب المنظور الكون فالكون يدل على الله والكتاب يدل على الله فهذا كتاب الله المسطور وهذا كتاب الله المنظور وكلاهما يشتمل على آيات هذه آيات بينات بلغة مفهومة تصل من الأذن إلى العقل إلى الروح إلى القلب وهذه آيات بينات يراها الإنسان ويشعر بها ويحس بها ويتعامل معها ويوقن من خلالها أنه لا إله إلا الله الواحد الأحد إن الذين كفروا بآياتنا سواء كان
في الكتاب المسطور أو المنظور سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها، هذا كلام واسع نؤجله إلى لقاء آخر، فنستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.