سورة النساء | حـ 683 | 57 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى بعدما بين حكم الكافرين أن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما يقول سبحانه وتعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا. قالوا ما من آية عذاب في القرآن إلا وقبلها أو بعدها آية رحمة، لا
يوجد تجل بالجلال منه سبحانه وتعالى إلا وقد تجلى بالجمال، فإذا ما وصف لنا حال أهل النار فإنه بعدها أو قبلها يكون قد وصف لنا حال أهل الجنة وهذا هو الذي خلق الإنسان والذي يعلم فطرته وعقله ويعلم هواه ومنتهاه سبحانه وتعالى ويعلم أن الإنسان إذا ما أفرطنا معه في ذكر الرحمة والترغيب نسي نفسه واطمأن فأفسد في الأرض وكان ينبغي عليه ولكن
قليل ما هم أن يشكر ربه وأن يزداد عرفانا بالجميل، ولما كان الأمر كذلك كما في حق سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، فإننا رأيناه يقوم الليل حتى تتورم قدماه وهو في النهار لديه مسؤوليات كثيرة وعمل كثير، ويأتي بالليل فيقوم لربه يناجيه ويصلي ويطيل في السجود وفي القيام. وفي الدعاء وفي البكاء حتى لامته عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت يا رسول الله قد غفر الله ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر قال يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا فعندما غفر
له وظهر له أنه من أهل الجنة قطعا وأنه سيد المرسلين وسيد الخلق أجمعين وأنه الشفيع للعالمين يوم الدين وأن الله ما أرسله إلا رحمة للعالمين ازداد شكرا لربه، هكذا يكون العاقل الحكيم وهو سيد الحكماء صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن هذا الصنف من الناس الذي يفهم عن ربه ويتبع نبيه قليل، وأغلب الناس يحتاجون من حين إلى آخر إلى تذكير بالترهيب والترغيب معا ولذلك لا نجد آية في القرآن تتحدث عن العذاب إلا
وخلفها أو أمامها آية أخرى تتحدث عن الرحمة حتى يحدث في نفس الإنسان أن الله يهدي إلى الطريقين، طريق يوصل إلى الجنة محفوف بالمكاره ومحفوف بالتكاليف ومحفوف بشيء من المشقة المقبولة والمقدور عليها، وطريق آخر يؤدي إلى النار محفوف بالشهوات والرغبات وبالكسل ونعوذ بالله من الكسل كما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وكذلك لم يرد في القرآن ذكر للذين آمنوا إلا وقد قرنه بما هو دليل الإيمان والمرشد إليه والمنفذ له وهو العمل الصالح، لأن الذي
آمن بقلبه وصدق ولم يعمل الصالح في الظاهر جوارحه فإنه يكون كالساعة المعطلة التي تدل على خراب ما في باطنها إذ إنها لا تعمل في ظاهرها وإن أناسا قد غرهم بالله الغرور يقولون نحن نحسن الظن بالله ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل هكذا كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات وليست جنة واحدة هي جنة كبيرة خلق الله جنة للثواب وخلق نارا للعقاب، لكن هذه النار دركات ودرجات وهذه الجنة هي جنات، فهناك جنة المأوى
وهناك جنة عدن وهناك جنة الفردوس وهي أعلى الجنان نسألها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك جنات كثيرة والله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان جنة أو يعطيه جنتين أو يعطيه أكثر من ذلك فالله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينتهي والجنة أيضا أنواع وأقسام ودرجات ولذلك جمعها هنا لينبه على هذا المعنى سندخلهم جنات تجري من تحتها إذا ما دام في تحت فهناك فوق وتكون هذه الجنات على ربوة
ما الذي جعلها على ربوة كلمة التحت هي لم يقل جنات على ربوة، ولكن عليك أن تتخيل الربوة. ما دام قال تحت فهو فوق، إذن أنت ساكن فوق والنهر تحت منك هكذا. تجري من تحتها، تجري من تحتها أنهار، لا نهر واحد تجري من تحتها الأنهار، إذن هذه ليست نهرا واحدا، بل أنهار. كثيرة هذه الأنهار بعضها من مياه وبعضها من لبن وبعضها من خمر وبعضها من عسل والله يخلق ما يشاء هذه الأنهار عجائبها أنها لا تختلط
أي أن نهر العسل يسير فيقطعه نهر الخمر فلا يختلطان يسيران جنبا إلى جنب وينفصلان عن بعضهما البعض من غير اختلاط ويقطعهما عند المنتصف هكذا فلا يختلط مع الاثنين ونهر الماء يقاطعهم جميعا فلا يختلط وهذه الأنهار كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حافة لها إذا فالماء قائم هكذا من غير مجرى هذا هو قائم وجار وهذا معناه أن الجنة ليس فيها كجاذبية الأرض فلماذا عندنا في
الأرض المياه لا تجري هكذا يجب عندما تجري أن يكون هناك شيء يسندها من هنا وشيء يسندها من هنا وهو مجرى النهر، فلماذا لا تسير المياه عندنا قائمة هكذا مترا أو مترين من غير حافة؟ لأنه توجد جاذبية تأتي لتجذب هذه المياه وتمسحها على الأرض، فإذا كانت الجنة ليس فيها جاذبية ولكنه لم يقل هنا هكذا أي أن النص ليس فيه هكذا وإنما أنا أريد عندما نقرأ القرآن أن نتخيل مقتضاه أي ما معنى أن فيها أنهارا أي ما معنى أن هذه الأنهار متنوعة أي ما معنى أن هذه إذن قوانين أخرى غير القوانين الكونية التي نعيش فيها وهذا مهم
في اكتمال ويقول وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، فيبقى النظر إلى وجه الله الكريم ليس بالمقلة وليس بالحدقة وليس بانعكاس ضوء عليه جل الله لأنه هو نور الأنوار، هذا شيء آخر غير ما نراه هنا من الأجساد والأجساد والأجسام. وإذا والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، إذا انتهى الزمن وما دام قد انتهى الزمن وهناك هذا الخلق الجديد فهناك قوانين جديدة ينبغي أن نفهم من خلالها هذا، لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا، فاللهم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا
سابقة عذاب يا رب العالمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة السلام عليكم