سورة النساء | حـ 685 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 685 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا، هذه الآية تستمر في بناء النظام الاجتماعي وتؤسس للاجتماع
البشري وتتحدث عن درجات النظام، ماذا نفعل؟ فنبدأ على المستوى الفردي من أجل أن نلتزم "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله"، إذن فهذه الحياة الدنيا أساسا قد بنيت في اجتماعها البشري على الالتزام وليس على التفلت. ليس أن يعيش كل أحد منا كما يريد تبعا لهواه محققا لشهواته ورغباته وما يخطر في باله،
وهذا قد دعت إليه كثير من مذاهب الفلسفة والأخلاق حتى لو كانت أخلاقا رديئة، إلا أن مذاهب الفلسفة وما أسموه بالأخلاق يعني ما تخلقوا به ولو كان رديئا دعا إلى هذه الحرية وهذا التفلت الحرية التي ليست هي الوجه الآخر للمسؤولية والتي يصح لنا في اللغة أن نسميها بالتفلت لا بالحرية، فإن اللغة تعني بحرية الإنسان عدم اندراجه تحت الرق والتحكم والهيمنة، ولكن اختلطت المفاهيم مع المصطلحات فضل كثير من الناس من هذا الباب، وعلى كل حال فإن الأمر ليس مبنيا
على التفلت. بل هو مبني على التكليف والالتزام حتى ولو كان في التكليف مشقة لأن تعريف التكليف طلب ما فيه مشقة أو الإلزام بما فيه مشقة وسواء كان طلبا فيدخل فيه المندوب وسواء كان إلزاما فلا يدخل فيه المندوب فإن فيه مشقة ولو كان فيه مشقة فإننا نفعل هذه المشقة طاعة لله وامتثالا لأمره طلبا لعبادته ولعمارة كونه ولتزكية أنفسنا أمامه سبحانه وتعالى ثم أمام الناس يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله كلمة فارقة بين من تمسك
بالأديان بأي دين كان ومن لم يتمسك فإن من لم يتمسك نحى وهمش وأخرج الله جل جلاله من منظومة حياته وعاش كما أراد وحقق بعض النجاح لأنه يعمل في كون الكريم الذي خلقه والذي ينظر إليه على أنه من صنعته والذي يرحمه ويصبر عليه ويدعوه من خلال فطرته التي خلقها ومن خلال آياته التي يريه إياها في كونه وفي حياته إلى أن يعود إليه فإما أن يهتدي إن أراد الله هدايته يهدي من يشاء وإما
أن يظل على حاله ويكون سادرا في غوايته ولا يستطيع أن يخرج من النار التي أدخل نفسه فيها واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ثم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله لكنه أيضا لما أرسل سيد الأكوان خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جعله الباب الوحيد لرب العالمين فقال وأطيعوا الرسول وطاعة الرسول هي التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى
لم يكره أحدا على الإسلام لأنه يريد مؤمنين لا منافقين ولو أظهر واحد من الناس الإسلام بلسانه وأضمر في قلبه رفضه فإنه يكون منافقا والمنافقون في الدرك الأسفل من النار ولا نريد أن نربي المنافقين في العالم ونحن ننعى عليهم ونؤكد مرة بعد مرة أننا لا نريدهم وإنما طمأننا أولئك الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالله ورسوله أن لكم دينكم ولي دين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، أما وأنه قد أعلن إسلامه فإن الله سبحانه وتعالى يؤكد
عليه ألا يعود في الكفر وإلا فإنها معصية شديدة وخروج عن النطاق، ولذلك يقول ومن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أي أن هذا فعل يبغضه الله. ويكرهه الله سبحانه وتعالى ويخرجه من محبة الله سبحانه وتعالى مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فنعى الله عليهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أمر واضح لا مرة فيه لا إكراه في الدين ولكن المسلم ينبغي عليه وقد من
الله عليه بالهداية أن يؤمن بالله وبرسوله فواجب عليه أن يطيع الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول على المستوى الفردي وأنا أسير في حياتي أريد أن أطيع الله فأصلي وأصوم ولا يعلم سر الصيام إلا الله فالصوم خاص بيني وبين الله والحج إلى البيت الحرام وكل العبادات تحتاج إلى أمر خفي وهو النية التي لا يطلع عليها أحد لأن النية محلها القلب إذن فالعبادة وصحتها لا يطلع عليها إلا الله حتى لو رأيتك تصلي فمن الذي قال إنك متوضئ لا يعلم ذلك إلا الله كنت أنت تعلم ويعلمه
الله وأنت أمامي لا تأكل ولا تشرب، من الذي قال إنك صائم؟ لا يعلم ذلك إلا الله. إذن فالعبادة لا يعلمها إلا الله، وهذا على مستوى الفرد. فما الذي على مستوى الجماعة فالدولة فالأمة؟ سنراه في حلقة قادمة إن شاء الله. فنستودعكم الله والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته