سورة النساء | حـ 686 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 686 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء، يعلمنا ربنا أسس الاجتماع البشري من كل جوانبه الفردية والجماعية والأممية، الزمنية والمكانية والحالية والشخصية. يعلمنا أسس الاجتماع البشري على سبيل العلاقة بيننا وبين ربنا، وبيننا وبين أنفسنا. وبيننا وبين غيرنا يقول: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. فنظم المسألة ابتداءً من علاقة الإنسان مع نفسه
بأننا نطيع الله ونطيع الرسول، وجعل طاعة الرسول جزءاً لا يتجزأ من الإيمان. وهنا فإننا نتعجب من أولئك الذين ينكرون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله. وسلم وهي من الذكر الحكيم "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم" فالذكر هنا هو السنة، أنزله الله على قلب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ليبين للناس ما نُزِّل إليهم من كتاب يُتلى في الصلاة ويُتعبد به، وكل حرف فيه له بتلاوته وقراءته عند ربنا سبحانه وتعالى حسنات. عشر ويزيد الله لمن يشاء. لا
أقول "الم" حرفاً، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. هكذا يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول ربنا: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". نعم، ما أتانا به رسول الله نأخذه، وما نهانا عنه رسول الله نبتعد عنه. ويقول صلى الله عليه وسلم وهو يحذر عمن سوف يأتي بعده بأزمان: "لأخالن أحدكم متكئًا على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه. ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله
معه"، وفي رواية: "ومثليه معه"، يعني في رواية: "ومثله"، وهذا معناه أن السنة كالمذكرة الشارحة التفصيلية وهي من عند الله وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى. أجل، ماذا نريد أكثر من ذلك؟ والله سبحانه وتعالى أجمل وفصّل، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فطبق ما أجمله الله وما فصّله الله على نمط معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذا أمامنا
سنة هي التطبيق المعصوم لكتاب الله، وعندما سُئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلق رسول الله، والله قد وصفه فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، نريد أن نرى ماهية هذا الخلق، قالت: "كان خلقه القرآن"، فهو كتاب من عند الله يمشي بين الناس، ولذلك. فهو معصومٌ معصومٌ بكل معاني العصمة حتى أن الله قد عصمه من تسلُّط البشر عليه، فإن من البشر من قتل الأنبياء ومن حاول أن يقتل الأنبياء "ويقتلون النبيين بغير حق"، ولكن رسول الله قال
الله فيه: "والله يعصمك من الناس"، لا أحد يستطيع أن ينال منك، إنك ميت وإنهم ميتون، لكن بإذن الله وليس. بتسليط البشر عليك، فعندما حاول بعضهم أن يسموه صلى الله عليه وآله وسلم باسم شديد، قُتِل من أصحابه اثنان أو ثلاثة، وهو قد أخذ مضغة جلست تُتعبه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى بعدها بسنوات. وقالت مضغة خيبر: "قطعت أبهري". الأبهر هو ما نتحدث عنه الآن، وهو الشريان الأورطي. في التشريح نسميه الشريان الأبهر، أي أنه يتألم من شدة السم، وهو لم يصب
إلا في عضده هكذا، ثم أُوحِيَ إليه أنها مسمومة فتركها وحذر أصحابه، وكان شخص قد تناول لقمة واحدة فقط فمات. ماذا يعني هذا؟ إنهم مصممون على قتله كما قتلوا النبيين من قبل، لكن الله منعه وعصمه بكل أنواع العصمة. ليس فقط أنه لم يرتكب صغيرة ولا كبيرة في حياته قط، وليس أنه قد طهره الله في أخلاقه وأعراقه، وليس أنه لم يرتكب خطأً، وليس أنه قد بلّغ الوحي كما أراده الله، بل إنه أيضاً قد عصمه من الناس، لم يطلب من أحدٍ شيئاً صلى
الله عليه وسلم ولم يطلب. من أحد معونة وسخر الله له قلوب الخلق وسخرها عبر الزمان، فبعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى تعلقت به القلوب شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً، حتى قامت المظاهرات أمام البيت الأبيض وفي إنجلترا تقول: "إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم". يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، ثم ينتقل. من هذه الحالة الإيمانية الفردية التي يعيش بها المؤمن في حياته وفي يومه وفي
برنامجه اليومي كله، فيقول: "وأولي الأمر منكم". فسّر العلماء والمفسرون أولي الأمر بأنهم العلماء ابتداءً، فالعلماء والمجتهدون هم أولئك الواسطة بين مطلق النص ونسبي الواقع، فهم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنما... ورثت العلم، والعلماء ورثة الأنبياء. والعلماء في لغة الشرع نعني بهم المجتهدين، لا نعني بهم نقلة العلم. فنقلة العلم هم طلبة للعلم الشريف، أما المجتهد
القادر على تفسير النص وإيجاده في الواقع فإنه يكون وارثاً محمدياً على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحيث أن الله قد أغلق الرسالة. والنبوة من بعده حتى تتوحد الأمة وتكون أمة واحدة إلى يوم القيامة، فقد جعل العلماء مكان الأنبياء، فعلماء أمة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم كأنبياء بني إسرائيل، وهذا هو الجزء الأول من ولاية الأمر، أن ذلك بيد المجتهدين الذين ينقلون لنا مطلقًا أحكام الله على نسبية واقع الحياة المستمرة. وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته