سورة النساء | حـ 687 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 687 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء مع قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وقفنا عند كلمة أولي الأمر، فسرها المفسرون أولا بالعلماء لأنهم أولياء الأمور في معرفة طاعة الله وطاعة الرسول، كيف نطيع الله وكيف نطيع الرسول؟ سؤال يطرح نفسه فيحتاج إلى أن نسأل أهل الذكر، وربنا يقول فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. يحتاج إلى أن يتخصص بعض الناس
حتى يعلموا كلام الله وكلام رسول الله وما يقتضيه من أحكام ومن توجيهات ومن إدراك للسنن وإعمال للمبادئ القرآنية وتحقيق للمقاصد الشرعية وضبط للقواعد الفقهية ومنهج حياة يرشدنا إليه العلماء ولولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم إذا هناك طائفة تتخصص في الإدراك وهذا الإدراك يحتاج إلى علم مختص وهذا العلم يبدأ أولا بعلم تلك اللغة التي أنزل الله بها القرآن قرآنا عربيا غير ذي عوج،
إذ لا بد من العربية أن نفهمها ونتقنها ونعرف أساليبها ومبناها ومعناها، ثم بعد ذلك نقرأ كتاب الله، ولا بد من معرفة المقاصد الشرعية، ولا بد من معرفة مجمل الشريعة وإجماع العلماء وحقيقة الأمر، ولا بد من معرفة المقاصد والأغراض التي يتغياها ذلك الشرع من مراد الله في التكليف ومن مراده من المكلفين، فمراد الله العبادة والعمارة والتزكية وأراد من المكلفين أن يحافظوا على أنفسهم نفوسهم وعقولهم ودينهم وكرامتهم وأعراضهم ونسلهم وأن يحافظوا على أموالهم فيما بينهم، فهذه مقاصد الشارع وهذه مقاصد المكلف، فلا بد
أن يعرف كل واحد هذه الصورة الإجمالية حتى يقرأ كتاب الله ويطلب منه الهداية ويؤمن به كله لا يأخذ بعضه ولا يجزئه ولا يقف عندما لا يحسن الوقوف عليه فلا يجتزئ القتال في القتل ولا يجتزئ القتل في الباطل ثم بعد ذلك يطلق عليه جهادا وربنا سبحانه وتعالى سمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسمى مراقبة الحكام في حكمهم جهاد وسمى الحج للمرأة جهاد وسمى مجاهدة النفس جهاد وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج
ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر إلى اختزال هذا هو إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه الآخر ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من أحداث الأسنان سفهاء الأحلام الذين يقولون من كلام خير البرية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم طوبى لمن قتلهم وقتلوه من قتلهم كان أولى بالله منهم لماذا؟ لأنهم يعكرون على الدين وصفاءه ويجعلون أنفسهم حجابا بين الخلق والخالق ويفسدون ما
أراد الله إصلاحه، ثم إذا تكلمنا معهم قالوا إنما نحن مصلحون، فهؤلاء عدهم الله سبحانه وتعالى كطائفة من طوائف المنافقين الكثيرة التي نعى الله عليها وحذر من فسادها، ولذلك فقد جمعنا ونظمنا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، أما الرأي الثاني فإن أولي الأمر هم الحكام الذين بأيديهم القرار الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولذلك عندما نذكر كلمة الحكام قد ينصرف الأمر في أذهان بعضهم إلى رئيس الدولة والأمر ليس كذلك لأن الله لم يتحدث عن فرد
فقال وولي الأمر إنما قال أولو الأمر ومعنى هذا أن كل من كان له أمر ونهي وسلطة ومسؤولية فهو من أولياء الأمور الذين أنيطت بهم الأمانة في أعناقهم يسألون عنها في الدنيا ويسألون عنها يوم القيامة فإن قصر أحدهم فهو مؤاخذ أمام الأمة وأمام الناس وهو معاقب على تقصيره أمام الله فليتق الله كل من طلب السلطة، ولذلك فمن أوكلت إليه من غير طلب أعين عليها من عند الله، ومن طلبها فإنه لا يعان عليها، والله سبحانه وتعالى يتركه مع نفسه، ومن دعاء الصالحين: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة
عين ولا أقل من ذلك، لأن الله لو تركنا لأنفسنا طرفة عين فنينا وذهبنا لأننا نقوم في هذه الدنيا بحول الله وقوته ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا سحب الإمداد ذهب الاستعداد وذهبنا يعني لسنا بأموات لا أموات يبقى جسدنا باقيا هذا جسدنا سيفنى لأن الله قد ترك عنه الخلق لأننا ما زلنا نخلق كل يوم قل الأمر ماذا لو فسدوا سؤال أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجابت عنه الآية، ماذا لو فسد ولي الأمر وماذا نفعل؟ لا يحب الإسلام الهرج والمرج والكلام الذي فيه قلة
الحياء والأدب والخروج عن النظام والاستقرار والأمن، فإنه لا إيمان دون أمن، ولذلك ما نراه قد شاع من فوضى ودعوة إلى التفلت تحت عنوان الحرية والانطلاق تحت عنوان الإبداع إنما يصلح للتنفيس عن الرغبات لا لبناء المجتمعات وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته