سورة النساء | حـ 688 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء ومع تلك الآية العظيمة التي أوردها الله سبحانه وتعالى في إثر آيات الأمانة: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وسألنا سؤالا عما إذا فسد أولو الأمر أو انعدموا أما الانعدام فمتصور في العلماء لأنه قد ينعدم المجتهد وهكذا
تكلم الإمام الجويني كلاما حسنا طويلا فيما لو خلت الأرض خلت الأرض من المجتهد في كتاب سماه غياث الأمم في التياث الظلم يعني يريد أن ينور الظلمة يريد أن ينير عندما يحدث أن العلماء قد ذهبوا وأن المجتهد لا وجود له تصبح مصيبة ولذلك رأى المسلمون أن الاجتهاد باق إلى يوم القيامة وأن الاجتهاد لا ينغلق أبدا وأنه من الفروض في الناس مجتهد في كل عصر، فألف الإمام السيوطي كتابه الماتع
الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، فلا بد لله من حجة في كل عصر يقوم، وإن كان قليلا، فإن المجتهدين عبر الزمان لا يزيد عددهم عن المائة، ولكن لا يخلو عصر من الاجتهاد ومعرفة الحوادث وأحكام الله فيها وإرشاد الناس وإحياء علوم الدين كما يسمي الإمام الغزالي كتابه فهناك كما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي أمر دينها فإنه في كل مائة عام يبعث
الله سبحانه وتعالى ويوفق الله من المسلمين من يحيي شباب الإسلام في صدور الأمة ومن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ومن يوضح لهم المنهاج والسبيل إذا انحرفوا ومالوا عنه ومن يرقق القلوب لذكر الله فإن من الناس من إذا رأيته ذكرت الله فالحمد لله على نعمة الإسلام وما من الله به علينا من حفظ نبينا ومن حفظ كتابنا ومن حفظ كعبتنا ومن حفظ أمتنا إلى يوم القيامة، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين وأوضح لنا سبل الدين. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإذا فسد أولو
الأمر فماذا نفعل؟ المسؤولية المشتركة والتداول يأمر بها الإسلام قديما، أخذوها منا وعرفوا كيف ينظمونها وكيف يطبقونها. إلى مؤسسات وإلى برلمان وإلى فصل السلطات وإلى كذا وكذا، ولذلك فإننا عندما استحسنا أن نفعل هذا لم نستحسن شيئا خارج الإسلام. نظام فردي نطيع فيه الله والرسول ومن يأمرنا في جماعتنا، في جماعة مسجدنا نطيع الإمام، وفي جماعة مدرستنا نطيع المعلم وفي إدارتها نطيع ناظر المدرسة ومديرها المصنع يطيع المهندسة ورئيس
العمال وهكذا يقول الأمر، ثم بعد ذلك يقول فإن تنازعتم في شيء والشيء يطلق على ما قل أو كثر يطلق على أي موجود وثابت وحاصل شيء، فإن تنازعتم في شيء فماذا نفعل؟ ها نحن الآن قد أصبحت علاقتنا هي علاقة إنسان بإنسان فنريد أن نحولها إلى علاقة الإنسان بالنظام تبقى إذا كان المخرج هو تحويل الأمر عندما يصل إلى
حد النزاع من علاقة شخصية إلى علاقة نظامية، إذا هذا معناه أنه لا بد من وجود نظام يعلو على الأشخاص ويبقى بعدهم ويكون قبلهم نظاما، وما النظام؟ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما النظام لا يمكن أن نتجاوز، هو الذي ينشئ النظام السائد فلا نتجاوز، وإلا يكون ذلك مخالفا لأن هذا الكتاب صالح لكل زمان ومكان أبدا، إن هذا سر إعجازه أنه من المرونة في التشريع ومن العمومية فيه ومن الخصوصية أيضا في جزء منه ما جعله
قد رسم سقفا يصلح للبشرية إن أرادت الإيمان إلى يوم الدين وهذا هو الذي جعل هذا الكتاب معجزة للرسالة نبيا مقيما فيما بيننا من غير حاجة إلى إرسال نبي ولا رسول جعله الله محفوظا لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولم يتصرف في حرف فيه ولو على مستوى الأداء الصوتي إذا هذا الكتاب هو النظام ولكنه يحتاج إلى من يفهمه ويحتاج منا أن ندعو الله سبحانه وتعالى مع سعينا العلمي الحثيث لإدراك المناهج بأن يوفقنا لمعرفة مراده فإن تنازعتم في شيء فردوه
إلى الله والرسول والله الرسول يعني النظام الكتاب والسنة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر لا بد عليكم أن تجعلوا لأنفسكم مرجعا هناك أشخاص يدعون إلى النظام، فهل يوجد من كتب في الديمقراطية من كتب أعلى من هذا؟ إنهم يدعون أن يسيطر النظام على الأشخاص، والله سبحانه وتعالى لا يجعل السيطرة لأحد إطلاقا حتى في وضع النظام، فنحن أشد حرية في عبوديتنا لله من كل أحد، والحمد لله رب العالمين. يفهم ولا تصل الرسالة إلا إلى
قلوب من فتح الله عليهم، فاللهم بلغ عنا دينك يا رب العالمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.