سورة النساء | حـ 695 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا" وبعضهم يريد أن يقصر الآية على حياة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي في حياته ومماته، أما في حياته فباتفاق المسلمين، وأما في مماته فما عليه جمهور السلف الصالحين وجماهير الأمة المتقين من لدن الصحابة الكرام وإلى
يوم الناس هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع الأمة متصف بالرسالة. في حياته وفي مماته وهو صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع الأمة محفوظ في جسده في قبره إلى يوم الدين هو وإخوانه من سائر النبيين، هو الذي قال إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وهو صلى الله عليه وآله وسلم حي عند ربه في الرفيق الأعلى فهو أعلى من الشهداء. وهو عند جمهور المسلمين قد مات شهيداً بالإضافة إلى أن الله لم يسلط عليه أحداً من الناس "والله يعصمك من الناس"، إنما مات شهيداً من أثر ما أكل من هذه الذراع المسمومة التي حاولت اليهودية
أن تسمه، فمات أصحابه فوراً وبقي هو، وقال: "تلك الأكلة تقطع أبهري"، والأبهر هو الشريان الأورطي. فكان يتألم إلى أن مات فمات بسببها فعُدّ من الشهداء صلى الله عليه وآله وسلم، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وهو أعلى من الشهداء. ولقد بيّن لنا حياة الأنبياء على وجه الخصوص فقال فيما أخرجه البخاري: "مررت بقبر موسى عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي"، فكأن موسى يعبد ربه بالصلاة له. سبحانه وتعالى في قبره وهكذا سائر الأنبياء ومنهم سيدهم وخاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق أجمعين
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو حي عند ربه وهناك ملائكة بجوار قبره يردون عليه ويوصلون له الصلاة والسلام عليه وهو يقول حياتي خير لكم ومماتي خير لكم تُعرَض عليَّ أعمالكم، فإن وجدت خيراً حمدت الله، وإن وجدت غير ذلك استغفرت لكم، فهو صلى الله عليه وسلم يستغفر لنا ربنا كما أمرنا ربنا أن نكون. ولذلك فإن زيارة القبر الشريف، سواء بشد الرحال إليه أو بالزيارة فيه بعد وصول شد الرحال إلى المسجد النبوي الشريف، من أفضل. القربات عند جميع المسلمين حتى شيخ
الإسلام ابن تيمية عندما أنكر شد الرحال إلى قبر النبي المصطفى فخالف بذلك جماهير الأمة، لم ينكر زيارة القبر على أنه من أفضل الطاعات وأفضل القربات إلى الله، فتنبه، فهو أنكر شد الرحال إلى القبر وأجازه إلى المسجد، ثم اتفق مع بقية علماء المسلمين. على أن زيارة القبر المصطفوي على صاحبه أفضل الصلاة والتحية من أفضل القربات والعبادات إلى الله سبحانه وتعالى. ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك حياً أو ميتاً، باقياً على ظهر الأرض أو هو مستقر في قبره وضريحه إلى يوم الدين، حماه الله سبحانه
وتعالى وأعلى شأنه وبارك فيه وجعله شفيعاً. لنا في الآخرة وبركة لنا في الدنيا صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمع المسلمون شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا، لم يشذ منهم واحد والحمد لله رب العالمين، أن موطن جثمان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أفضل الكائنات طرًا، فهو أفضل من الكعبة وهو أفضل من العرش وهو أفضل شيء. في هذه الأكوان باتفاق المسلمين أبداً لم يشذ منهم واحد لا في فرقهم ولا في مبتدعيهم ولا في علمائهم وفضلائهم وحكمائهم عبر العصور، فالحمد لله رب العالمين، والحمد لله الذي جعل لنا نبياً كهذا، جعله سيداً
للمرسلين وسيداً للنبيين وسيداً للأكوان، وجعله سيد الخلق أجمعين، وجعل من الممكن أن نزوره. وأن نستغفر الله سبحانه وتعالى عند قبره الشريف وجعل هذا القبر ترياقاً لقلوب المؤمنين وأرواحهم وقدسهم وتقديسهم صلى الله عليه وآله وسلم ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك نعم جاءوك حياً أو جاءوك عند قبرك وأنت في حالة البرزخ وأنت ميت إنك ميت وإنهم ميتون ولكنه حي حياة البرزخ عند الله سبحانه وتعالى فاستغفروا الله، فمن الآداب أنك إذا أتيت القبر الشريف وقفت عنده واستغفرت الله أول شيء، استغفر الله على
ما قدمت من أعمال أو قصرت من تقصير، واستغفر لهم الرسول كما وعد وهو أوفى الناس بالذمم، لوجدوا الله تواباً رحيماً، فالحمد لله الذي دلنا على اسمه التواب. وعلى اسمه الرحيم، وبدأ كلامه بسم الله الرحمن الرحيم، وأرسل لنا محمداً رحمةً للعالمين، وقال لنا: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وإلى لقاءٍ آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.