سورة النساء | حـ 706 | 74 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما". هذه آية من أبدع ما يكون وفيها سر يتعلق بما ذكرناه في حلقات سابقة عن ذلك الذي تباطأ عن إخوانه فلم يخرج وانقلبت
لديه الحقائق ورأى الدنيا وظاهرها وزينتها فاغتر بها وترك الآخرة وما عند الله فاختل الميزان في يده لأنه بذلك يكون قد تمسك بالدنيا وترك الآخرة فإذا بالله لا يدخل معه في جدال ونقاش وإقامة حجة، بل يبدأ معه من حاله. هذا أسلوب يجب على الداعي أن يلتفت إليه وألا ينشغلوا بالهم إذا ما رأوا منحرفا أو عاصيا أن
يبرزوا انحرافه وعصيانه أولا، بل إنه من الممكن أن يخاطبه على حال انحرافه إلى الخير، وهذه من عجائب فن الدعوة فليتأمل في سبيل الله الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة فما معنى هذا؟ بعضهم يفهم بالبداهة أن الذين يرغبون في الآخرة ويريدونها ويتركون الحياة الدنيا عليهم أن يقاتلوا في سبيل الله، فيكون بذلك في هذه الآية رد على هذا الذي وصفناه من حال
المتباطئين، ولكن عرفنا في النحو أن الباء تدخل على المتروك الباء تدخل على المتروك استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير يبقى أنهم تركوا الذي هو خير وأخذوا الذي هو أدنى فالتمثيل يدخل على المتروك الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة معناه أنهم تركوا الآخرة واشتروا الحياة الدنيا والله أفهذا حسن أم قبيح هذا قال لا هذا سيء، قال فما هو إذن "فليقاتل في
سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة" اشتروا الحياة الدنيا وأرادوها وتركوا الآخرة ونحوها، وهؤلاء ما هم إذن يعني هؤلاء سيئون، قال نعم هم سيئون، قالوا يقولون لماذا "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون"، قال له تعالى أنت تريد ما الأمر يا أخانا أنت تريد الدنيا يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما قال له حسنا أنت تريد الدنيا قال له نعم فلم يقولوا له إذن لا بد عليك أن تلتفت إلى الآخرة كما هو الحق تركه قال له أنت تريد الدنيا قال له نعم قال له قاتل في يبقى من أراد الدنيا لا بد له أن يتمسك بالله
والآخرة لم تخطر بباله بعد، ومن أراد الآخرة فلا بد له أن يتمسك بالله فليقاتل في سبيل الله الذين ملأت الدنيا قلوبهم، فإن الدنيا لا تنال إلا بالقتال في سبيل الله ولو قاتلت في سبيل أي شيء غير سبيل الله لن تحصل على الدنيا ولن تحصل على الآخرة فتبقى قد ضعت هنا وهناك، فإذا قال أريد أن أحصل على الدنيا قيل له قاتل في سبيل الله، وإذا قال أريد أن أحصل على الآخرة قيل له قاتل أيضا في سبيل الله، فالذي يقاتل في
سبيل الله إخواننا هو الذي إذن لا توجد دنيا ولا آخرة فليقاتل في سبيل الله الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة فإنهم لا يستطيعون أن يكونوا أقوياء يسيطرون على الحياة الدنيا وزينتها إلا بالقتال في سبيل الله ومن يقوم ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل لم يقل يستشهد قال فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما قال والله طيب ما أنا الآن ذاهب ستقتل، قال له حسنا قتلت ستأخذ أجرا عظيما وسنعفو
عنك وتموت شهيدا. طيب غلبت الدنيا التي أنت تريدها جاءت لك أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما، هذا أحد وجوه التفسير الذي يبقى على الباء تدخل على المتروك. التفسير الثاني قال لا الباء تدخل على المتروك غالبا تدخل الباء على المتروك أي غالبا، وهنا خارج الغالب الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة معناها أنهم اشتروا الآخرة وأرادوها وتركوا الحياة الدنيا فقاتلوا في سبيل الله وتستقيم المعنى المتبادر إلى ذهن الناس كما أن المفسرين أوردوا الرأيين
أن الباء على وجهها أم خرجت عن وجهها هذا أم هذان المعنيان يعطيانك معاني مختلفة يتسع بها القرآن الكريم لأنه كتاب هداية وعلى ذلك فالجمع بينهما إنما هو جمع بين اختلاف تنوع جائز لا اختلاف تضاد غير جائز فالذي يقاتل في سبيل الله لأنه اشترى الحياة الدنيا وترك الآخرة أو اشترى الآخرة وترك الحياة الدنيا فإنه مرضي عنه من الله ولا تكون العزة إلا بذلك وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته