سورة النساء | حـ 708 | 75 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله" وهذه الآية تدل على هدف الحرب عند المسلمين، فهي ليست للعدوان وليست للطغيان، وإنما هي لتوصيل كلمة الله إلى الناس أجمعين ورفع الطاغوت والعدوان والطغيان حتى لا يكون حائلا ومانعا من وصول كلمة الله إلى الناس، ثم بعد ذلك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، لكم دينكم ولي دين، وإنما القضية هي وصول الدعوة فإذا وصلت الدعوة فهو
الأساس فإذا وصلت الدعوة دون قتال كفى الله المؤمنين القتال وكفى الله المؤمنين شر القتال، وإذا لم تصل الدعوة ووقف الناس حائلا فيما بين الخلق والخالق فإن الحرب تأتي في سبيل الله من أجل إزالة هذا الطغيان والعدوان والتجبر والطاغوت الذي يمنع من وصول كلمة الله إلى الناس. إذن فالحرب عند المسلمين إنما هي في سبيل الله، كلمة في سبيل الله ليست كلمة نختفي وراءها من أجل أن نريق الدماء، وليست كلمة تبرر القتل وتجعل القتل إنما هو كقربان للآلهة أو لمن يعبده المسلمون أبدا، ففي سبيل الله كلمة جامعة
تعني أن هذا القتال لم يحرك المسلمين إلا أن يكون في سبيل الله فيقول وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا يعني سبب هذا القتال ووصفه أنه في سبيل الله هو أن هناك رجالا ونساء وولدانا قد منعهم الظالم قد حيل بينهم وبين العدل، هناك طغيان هناك عدوان تسلط
على الخلق، ولذلك جاء المسلمون ليخرجوا الناس من ظلمات الدنيا إلى نور الآخرة وسعتها، ومن ضيق العباد وعبادة العباد إلى سعة رحمة الله وعبادة الله رب العباد، ولذلك كان القتال دائما في سبيل الله إذا كان هدف عند المسلمين إزالة الحائل الذي بين عموم الخلق المتمثل في الطاغوت والعدوان والطغيان، إزالة هذا الحائل حتى تصل كلمة الله وحتى لا يكون هناك صد عن سبيل الله وحتى تصل هذه الدعوة إلى الناس. وإذا وصلت إلى الناس وفهموها فلا سلطان لنا عليهم، فمن يهد الله فهو
المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ما عليك إلا البلاغ ليس لك شأن بل بلغ فقط بعد أن بلغت خلق الهداية خلق الهداية في قلوب الناس إنما هو بيد الله سبحانه وتعالى لا بيد المبلغ ولا بيد الرسول وهو أكرم الخلق الله وليس بيد الداعية، إنما الداعي يبلغ بصورة لافتة للنظر ثم يترك الأمور لله، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يوفق من يشاء ويخذل من يشاء، يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، يؤتي الملك من يشاء وينزعه سبحانه وتعالى ممن يشاء،
وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله على الصفة التي ذكرت والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان من هؤلاء، وكيف يكونون من المستضعفين؟ هناك ظلم قائم وهناك منع قائم وهناك تجبر قائم وهناك ضيق في هؤلاء الناس الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. إذن هناك أقوام في ضائقة في ظلم الظالم أهلها ليس هناك عدل هل يفهم من هذا أن المسلمين كانوا
يعنون شرطة العالم بحيث أنهم يلبون دعوة المظلوم في أي مكان إذا كان المسلمون بالقوة التي تمكنهم من أداء هذه الوظيفة فهي وظيفة جليلة لا يخجلون منها أن يلبوا دعوة المظلوم في كل مكان وهذه جريمة معروفة الآن في القانون الدولي تسمى بإنكار العدالة فلو أن أحدا من الناس في أي نظام كان وفي أي مكان في الأرض أنكر العدالة بمعنى أنه رفض تطبيق العدالة على أتباعه أو رعيته أو مواطنيه فإن المجتمع الدولي يتدخل وينصر هذا
المستضعف الذي ظلم ومنعت عنه العدالة جريمة إنكار العدالة وهذا من أسباب قبول اللجوء السياسي فالإنسان يهرب من بلده لأنه قد أنكرت العدالة فيه فيلجأ إلى بلد آخر فيقبله ويقبل لجوءه السياسي لأنه يجب علينا أن ننصره كبشر هذه هي دعوة الله فلما كان المسلمون قادرين على ذلك فعلوا فهذه في تاريخهم وفي خصائصهم يفتخرون بها أنهم كانوا ينصرون المظلوم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته