سورة النساء | حـ 711 | 78-79 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 711 | 78-79 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى وهو يقرر حقيقة كونية ينبهنا إليها: أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة. الأرزاق والآجال لا تتغير، وجعل الله ذلك حتى لا تخش الناس، رزقك سيصل إليك بما قدره الله لك، فاجعل طلبك جميلا، وأجلك لا يتقدم ساعة ولا يتأخر، ولا أقل من ذلك ولا أكثر، وعلى ذلك ممن تخاف
إذا كان لا يوجد أحد بيده الرزق ولا بيده الإحياء والإماتة، فمم تخاف؟ الرب واحد والعمر واحد، فلا تخف هذه الحقيقة حقيقة يراها الإنسان دون تنبيه فيرى الموت يصيب الجميع من ذكر وأنثى من صغير وكبير من طفل وشاب وشيخ يموت المريض ويبقى الطبيب ويموت الطبيب ويبقى المريض وتموت العائلة الواحدة في حادثة جميعا سويا وتموت الزوجة ويبقى الزوج ويموت الزوج وتبقى الزوجة آجالا طويلة وهكذا مرء مشاهد مكررة
في كل الأرض مع جميع الأجناس لا يختلف ولا يتخلف، فلما ينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه الحقيقة فهو ينبهنا إليها من أجل أن نبني عليها عملا، يجب أن نبني عملا على هذه الحقيقة، هذا العمل هو أن تكون الدنيا في أيدينا ولا تكون الدنيا في قلوبنا، هذا العمل هو لا نخشى إلا الله ولا نطلب إلا من الله ونخلص النية لله ونتوجه إليه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة يعني أن الموت ليس سببا
حتى تحتمي منه ليس سيفا يصل إلى رقبتك فيقطعها فتموت ليس ميكروبا يصيب جسدك فتمرض فتموت حتى لو وضعت نفسك في العناية المركزة أو في الأكسجين التام أو ابتعدت في صرح مشيد وحصن حصين حتى لا يصلك الغبار الذري، لا فهذا أجل مكتوب، سواء انتهيت أم لم تنته، فالموت سيدركك ولو كنت في برج مشيد، لأنه ليس له سبب واحد بل أسباب متعددة
الأسباب والموت واحد لا فائدة منه، لا نجني منه فائدة، الأجل محتوم، فماذا يفعل هذا معك؟ لو اعتقدت هذه العقيدة يحدث عندك رضا وتسليم، والرضا والتسليم لا يمنعان حدوث الحزن على الفراق، الإنسان عندما يموت عزيز لديه يبكي، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الله، إنما لا يخرج عن نطاق الشرع، لا يغضب الله إنما يرضيه، لا يتبرم ولا يعترض، لم تنهدم الدنيا عند هذا الموت لأنه أجل مقدر، ولا يتحسر
على سبب الموت الظاهر، مات في المعركة يعني لو كان لدينا ما قتلوا وما ماتوا أبدا، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج إذا اعتقدت هذه العقيدة فقم فتوكل على الله حق توكله وارض بقضاء الله وقدره واستسلم لمجريات الأمور حتى لو أصابك الحزن فقد أصاب النبي الحزن عند موت حمزة وأصاب النبي الحزن عند موت بناته زينب ورقية وأم كلثوم وأصاب النبي الحزن عند موت ابنه إبراهيم وعند موت خديجة عليها السلام لكن هذا الحزن قال ولا نقول ما يغضب الله وإن
تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله هؤلاء مؤمنون هم مؤمنون بالله ومؤمنون بأن هذه الحسنة من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك بدأنا الاضطراب فأصبح اضطرابا الحسنة من عند الله صحيح مقبول طيب والسيئة انتهى هي من عند الله أيضا فما يوجد داع لأن تعتدي هذا العدوان وتنسب الأشياء لأسباب، هذه الأسباب لم تفعل لأنها من خلق الله. قل كل من عند الله خلقا،
قل كل من عند الله. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، بمعنى أنك أنت السبب الظاهر لهذا، أما خلقا فكل شيء من عند الله. يبقى إذن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل، ورؤية الأسباب من سنة الأنبياء أن هذا سبب هذا وهذا سبب هذا، ولكن لا نعتمد عليها، نؤمن بأن كل شيء من عند الله، وإلى لقاء نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته