سورة النساء | حـ 729 | 92 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة النساء | حـ 729 | 92 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ إذا على... الرغم من أن القتل وقع خطأً، والخطأ معناه انعدام القصد والإرادة، والخطأ معناه أنه قضاء وقدر محض، حادث جاء، إلا أن الله سبحانه وتعالى تعظيماً لشأن
المقتول وتعظيماً لجُرم القتل في ذاته وفظاعته في نفسه، جعل بإزاء ذلك الحادث وهذا القضاء والقدر الذي لا حيلة لي فيه وهو على الخطأ بل ولا يترتب عليه إثم لأنه وقع وجرى على يدي ولم أقصده قصداً ولم أفعله من عند نفسي، جَعْلُ كفارة عليه هي كفارة قتل الخطأ شيء ليس متسقاً مع بقية الأمور ولا مع حكم الكفارات. عندما أعصي وأفطر في رمضان تكون هناك كفارة، وعندما أرتكب
إثماً في يمين أو ففي كفَّارات الكفارة ما مقصدها عندما أحنث في يمين من الأيمان؟ ففي كفَّارات، إذن ما هو مقصد الكفارة؟ مقصدها أن تكون رادعة عن الفعل. حسناً، أنا أقول لك هذا: أصلاً ليس لدي نية ولا قصد ولا إرادة، وإنما جرى على يدي هكذا اتفاقاً، فماذا ستفعل الكفارة إذن؟ إذاً ليس لأجل أن ترضعني من الفعل، لأنني أصلاً لم أقصد هذا الفعل لكي ترضعني أو لا ترضعني، بل هو حادث وقع عليها، هو مجرد حادث، فماذا أفعل؟ قال: نعم، هذا لكي تستشعر، وليس لكي تمتنع عن الفعل، لأن الفعل حدث رغماً عنك، هذا لكي تستشعر فضاعت القتل
ستكون. إنها أمر قاسٍ جداً بالنسبة لك هكذا: "ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة". يكون تحرير الرقبة أول شيء نقوم به. تحرير الرقبة هذا فعل متعدٍ أم لازم؟ قال: لا، إنه فعل متعدٍ، لأن النفع فيه سيصل إلى إنسان قُيِّدت حريته من غير وجه حق. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم نظامٌ موجودٌ وأرادَ الإسلامُ أن يُنهيَهُ، وتَشَوَّفَ الشرعُ إلى العِتق جداً حتى خالفَ كلَّ القواعدِ من أجلِ العِتق، وعندما يُخالفُ القواعدَ يقولُ الفقهاءُ ماذا؟ وذلك لتَشَوُّفِ الشرعِ
للعِتق. اللهُ! أنتَ هُنا كانَ يجبُ أن تسيرَ يميناً، لكنَّكَ سِرتَ شمالاً، لماذا؟ قالَ: لأجلِ أنْ نُعتِقَهُ. أنتَ هُنا يجبُ أن تسيرَ شمالاً، قال: "من أجل أن نعتقه، نحن نريد العتق فقط، فيكون العتق هو أساس المسألة لأن الشرع ينظر إلى العتق. فإذا كنت سأصوم أو أعتق رقبة، فإن عتق الرقبة أفضل من الصوم الذي سيتعبني ويؤثر على نفسيتي وما إلى ذلك". نعم، قال له: "نعم، لماذا؟ لأن الصيام عبادة قاصرة، أي قاصرة". ماذا يعني مقصور فائدتها علي أنا وأنت؟ ماذا استفدت حين صمتُ ولم أفعل شيئاً؟ أما العتق فهو عبادة وفائدة متعدية، أي أن غيري استفاد منها. مَن
هو غيري؟ إنه العبد الذي تحرر وخرج من العبودية إلى الحرية. وهل كانت الحرية شيئاً جميلاً؟ نعم بالطبع، فهي مثل... ما هو مثل السجن؟ اسأل أي سجين: "أتحب أن تخرج؟" سيقول لك: "نعم، بالطبع". حسناً، لماذا؟ ألست نائماً، تأكل، تشرب، مستمتعاً، تدخن السجائر، تقرأ في المكتبة، وتتنزه في الساحة، وتفعل ما تريد؟ تلعب... لا فائدة! الحرية هي أجمل شيء. شخص عليه شيك سيُسجن، نقول: "يا الله". حسناً، وبعد ذلك؟ "لا يبيع ما أمامه وما خلفه لكي يسدد الشيك الذي بلا رصيد حتى لا يُسجن. سبحان الله! يعني السجن الذي ستمكث فيه ستة أو سبعة أشهر
وتصبر وتخرج كما أنت، لم يُسجل عليك ولا يوم واحد. ما هذا؟ إنها شيء فطري في الإنسان أنه متطلع للحرية، ولذلك جعل... الله سبحانه وتعالى في دية القتل الخطأ تحرير رقبة. "فتحرير رقبة" - قال لك: الفاء إذا دخلت على المصدر يصبح هذا نوعاً من أنواع صيغ الأمر. ماذا يعني "فتحرير رقبة"؟ يعني حرِّر رقبة. "تحرير" هذا مصدر، و"حرِّر" هذا فعل أمر. قيمة الفاء عندما تدخل على المصدر تكون في قوة فعل تحرير رقبة يعني حرروا رقبة، وضرب الرقاب يعني اضربوا الرقاب، وهكذا. فتحرير رقبة مؤمنة،
وهذا يسمونه المقيد. رقبة ليست أي رقبة، فهناك عبد مسلم وعبد غير مسلم كافر. من أين نختار إذن؟ قال: لا، اختاروا من المسلمين. هنا تختار من المسلمين. حسناً، إذن فتحرير رقبة، لكن يجب أن تكون هذه مؤمنة، إذن هذا يريد توسيع قضية العتق، وإن كان من قوم بينكم فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله. الدية هذه كانت مائة جمل، وكانت الدية تُلقّى مُخمّسة. ماذا تعني مُخمّسة؟ تعني عشرين من سن معين، وعشرين الثانية من سن آخر، وعشرين الثالثة من سن ثالث، وهكذا. طيب، ولماذا
هذا؟ لكي تكون مُتَرِّيثاً قليلاً، مائة جمل، وماذا لو لم نجد المائة جمل أو أننا لا نعرف أين نأخذهم أو ما هي القصة؟ وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة عندما نتكلم بالتفصيل عن الدية عند فقهاء المسلمين. فإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.