سورة النساء | حـ 735 | 93 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين بشأن من قتل مؤمنا متعمدا: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما. إذا فقتل المؤمن من الكبائر ويسأل بعض الناس كيف نعرف الكبيرة من الصغيرة ومعرفة الكبيرة من الصغيرة متوقفة على ترتيب العقوبة عليها فلو أن الله تحدث عن أن الذنب هذا يستوجب الخلود في النار كان كبيرا فالذي يستوجب النار
يكون كبيرا مثل الزنا ومثل الربا ومثل السحر ومن ذلك القتل ومن ذلك شهادة الزور جرائم كبيرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إياكم والسبع الموبقات قالوا وما السبع الموبقات يا رسول الله والموبقات أي المهلكات التي تحبط الأعمال حتى الأعمال الصالحة تحبطها هذه الموبقات قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والزنا والسحر وشهادة الزور، إذن هذه سبع موبقات أي مهلكات، والكبائر وارد فيها أيضا اللعن. إذن الكبيرة نعرفها عندما نرى أن الله قد
حذر منها وأنه قد رتب عليها النار، والكبيرة أيضا عندما يرتب الله عليها غضب الله سبحانه وتعالى، والكبيرة عندما يرتب الله عليها اللعن، وهنا نجد أربعة آثار من القتل يقول فجزاؤه جهنم خالدا فيها، هذه واحدة إذا فهي كبيرة وغضب الله عليه، هذه الثانية فهي كبيرة مركبة ولعنه، هذه الثالثة وهذه تصبح جريمة مركبة تركيبا ثلاثيا وأعد له عذابا عظيما، وهذه
الرابعة فهي مركبة ومربعة وانظر كان يكفي أن يقول إن الله يغضب عليه، كان يكفي أن يقول إن الله لعنه ولكن القتل وكأنه قد جمع القبائح كلها، جمع الخيانة وجمع الفجور وجمع الإفساد في الأرض وجمع الإسراف وجمع الاستهانة بأمر الله وبكلمة الله وبخلق الله وببنيان الرب، جمع كل ذلك وأكثر، ولذلك كانت هذه الجزاءات الأربعة أو كانت هذه الكبيرة المركبة المضاعفة التي لها أربع دلالات على عظمها فقد
وعد بشأنها النار بل والخلود فيها ووعد بشأنها الغضب والنزول فيه ووعد بشأنها اللعن واللعن هو الإبعاد عن رحمة الله ووعد بشأنها أيضا إعداد العذاب العظيم وكلمة أعد له عذابا عظيما تعني أن هذا الإعداد سابق لقدوم القاتل على الله يوم القيامة وعندما يسبق الإعداد هذا يكون قد توفرت فيه صفتان، الصفة الأولى أنه مهيأ ومعد لهذا المجرم، والصفة الثانية أنه في عذابه يعني
قد أتقن له وازداد تغيظا بشأنه. إذا فهو محكم الإعداد وهو أيضا شديد الإعداد، ولذلك وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه عظيم وأعد له عذابا عظيما. القتل على مر التاريخ كثر بداهم. قابيل عندما قتل أخاه هابيل واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك إذ بدأ هذا الجرم وهذه العلة وهذه المصيبة في بني آدم مع قابيل وهابيل ولكن
مع كثرة القاتلين إلا أن الله سبحانه وتعالى يقول وأعد له عذابا عظيما ويتكلم بصيغة المفرد بالرغم من أن كلمة "من" للعموم وتصلح للتعبير عن الجماعة، ومن يقتل مؤمنا متعمدا سواء كان فردا أو جماعة، ولكن هنا قال "فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما"، وهنا فإننا نتصور أنه يؤاخذ بجريرته وحده، والوحدة والعقاب المفرد أشد. من العقاب على جماعة عندما نكون جماعة وينزل بنا عقاب
نسلي بعضنا بعضا ولكن عندما يكون الإنسان وحده فإنه يخاف الخوف المهلك الذي يخلع قلبه وهذا أيضا هو إفراد الضمير والخطاب والكلام على شخص بعينه فإنه يكون أشد في التهديد وأشد في الإنكار من الكلام على جماعة وإن كان من الممكن أن يتكلم عن جماعة، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. الخلود يطلق ويراد به الأبد، ويطلق ويراد به المدة الطويلة. فقاتل المؤمن هل يدخل جهنم أبدا أم أنه يدخل جهنم المدة الطويلة؟ جماهير أهل
السنة والجماعة وجماهير الصحابة على أنه يدخل المدة الطويلة ولا يخلد فيها. أبدا، ولذلك فلم يرد في الآية هنا قوله خالدا فيها أبدا، بل قال خالدا فيها وغضب الله عليه، والخلود يطلق ويراد منه المدة الطويلة، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.