سورة النساء | حـ 736 | 94 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم يلقاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء نستمر في طلب الهداية من كتاب ربنا سبحانه وتعالى وهو ينظم لنا كل الشؤون وكل الأحوال، شأن السلم وشأن الحرب، شأننا فيما بيننا. كمؤمنين وشأننا فيما بيننا وبين الآخرين ممن رفعوا ضدنا السلاح أو ممن طلبوا منا السلام يقول ربنا سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا فهذه قاعدة كبرى أن الله سبحانه وتعالى يريد
منا شعور الفارس النبيل لا يريد منا شعور المقاتل المأجور أو شعور المقاتل الجبار الذي بالعدوان والطغيان يملأ الأرض ضجيجا ويجعلها دما يسيل، هكذا كان شأن العرب. أبا هند فلا تعجل علينا ودعنا ننبئك اليقين، فإننا نورد الرايات بيضاء ونصدرها حمراء قد رويناها، يعني أن الدم لم يصل إلى الركب كما يقولون بل علا فغطى العلم. ما هذه البحار من الدم؟ هذا كان من يتفاخر بقوته ويتباهى بسعيه في الأرض منتصرا على أعدائه، ولكن لما جاء ربنا سبحانه وتعالى
يعلمنا الدفاع عن النفس جعلنا متعلقين به بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وجعل الدفاع عن النفس إنما لا بد أن يكون في سبيل الله، وجعل الدفاع عن النفس إنما ليكسر شوكة العدو فإذا كسرت وأراد العدو منا سلما وسلاما فإننا نلبي له لأن السلام هو أساس الإسلام وهو تحية المسلمين وهو آخر كلمة يقولها المصلي والسلام اسم من أسماء الله واسم من أسماء الجنة إلى غير ما هنالك من جعل السلام بإزاء الحرب وضدها يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله أما من قاتل في سبيل الشهرة ومن قاتل في سبيل المصلحة ومن قاتل في سبيل المال
فهو فيما قاتل من أجله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم حديثا عده المسلمون من بعده ركنا من أركان الإسلام وركنا من أركان السنة المشرفة: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. النية تدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه في العبادات وفي المعاملات وفي الأنكحة وفي القضايا وفي الشهادات وفي سائر كتب الفقه وفي سائر أقسامه النية. هي التي توجه العمل وهي التي لا بد أن نخلصها لله رب العالمين، النية هي التي تجعل الضرب
في الأرض إن كان في سبيل الله أو كان في غير سبيل الله، وإذا كان الضرب في سبيل الله فهو يلتزم بكلمة الله، ولذلك يكون المؤمن حينئذ واقفا عند أمر الله إذا أمره الله سبحانه وتعالى بأمر توقف عنده والتزم به وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين فإذا قاتلنا ثم جاء بعد ما قطع يدي ولاذ بشجرة وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله فإنه يحرم علي قتاله فيقول الصحابي للنبي يا رسول الله إنما قالها تعوذا أي حتى يتقي القتال وحتى يضحك علي ويخدعني فقال هلا شققت عن قلبه أي نفس
هذه نبيلة تستطيع أن تتوقف عندما يأمرها الله سبحانه وتعالى بالتوقف وهذا الذي يفعل هذا كان يريد قتلي بل وقتل أخي بجواري وبالرغم من ذلك أقف عند حد الله سبحانه وتعالى وأتعبد الله كما يريد لا كما أريد أنا، وهذه حقيقة الطاعة وهذا حقيقة العبادة أن نعبد الله سبحانه وتعالى كما يريد لا كما نريد. كما نريد ستدخل الأهواء والشهوات والرغبات والأفكار، ولكن كما يريد إنما هو الالتزام بأحكام الله سبحانه وتعالى. ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة إذا فكلمة في سبيل الله معناها
أنها منزهة عن المصالح والمقاصد الدنيوية وأنها مرتبطة بقضية خلق الله لهذا الكون يريد منا العبادة يريد منا العمارة يريد منا تزكية النفس هذه المناحي الثلاثة التي بني عليها القرآن والتي بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة هو الذي نريد أن نبلغه للناس وأن نجاهد في سبيل الله من أجله فإذا قال أحدهم إنني ألقي إليكم السلام فلا بد لنا من قبول ذلك حتى لو أصابنا منه الضرر وحتى لو أصابنا منه العدوان وحتى لو افترضنا أن ذلك سيكون نوعا من الخداع والخصومة والأمر الغريب العجيب التاريخ يشهد أن أحدا لم يستطع أن
يهزم المسلمين عبر تلك الخدعة، فيقول لهم أثناء الحرب إنني قد آمنت بالله ورسوله وانتهى الأمر الذي بيننا وبينكم وإنني قد أسلمت، فإذا هم استسلموا كر عليهم بالقتل. لم يحدث هذا أبدا بالرغم من معلومية هذا وأن القرآن ليس فيه سر وأن الدين لا يخفى شيئا إلا أنها من معجزة الله للمسلمين الدائمة أنه لم يفعل ذلك أحد قط، بل إنهم لما عرضوا على نابليون بونابرت عندما دخل: إنك إذا أردت أن تستولي على العباد فاشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فحسب، قال: ثم ماذا؟ قالوا: ولا شيء اشهد فقط بلسانك فلم يستطع أن يشهد بلسانه ولم يرض أن يفعل هذا فسبحان الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته