سورة النساء | حـ 738 | 95 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما في هذه الآية تقرر عقل المسلم المؤمن التالي لكتاب الله أننا لسنا سواء وأن الرسل كانوا عند ربهم درجات وأن المؤمنين
كذلك يكونون درجات وأن الصالحين كذلك يكونون درجات وأن العلماء كذلك يكونون درجات وأن المنفقين في سبيل الله كذلك يكونون درجات وأن المجاهدين في سبيل الله كذلك وهناك بمحض الإيمان قبول فالله سبحانه وتعالى يقبل المؤمنين إلا أن المؤمن الذي ارتضى لنفسه أن يجاهد في سبيل الله له عند الله منزلة خاصة والمؤمن الذي ارتضى أن يقعد من غير جهاد فإن له عند الله سبحانه وتعالى منزلة أخرى لكنها أدنى من المنزلة التي للمجاهدين إذ إن الجهاد في سبيل الله هو قمة الأعمال
والنبي يقول صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال إلى الله الجهاد في سبيل الله والنبي صلى الله عليه وسلم مرة رجع من غزوة فقال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس لكن للعلماء تفسير هذا الحديث واضح وهو أن الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس يظهر في القتال في سبيل الله فالذي قاوم نفسه ودفعها دفعا لكي يجاهد في سبيل الله حتى ذهب إلى أرض المعركة ليقاتل في سبيل الله فهو مجاهد لنفسه لكن جهاد النفس في غير القتال أكبر من جهاد القتال في ذاته لأن جهاد النفس يأخذ من الإنسان سنين، وجهاد القتال يأخذ من الإنسان أياما أو شهورا، ولذلك
فإن الأصل هو جهاد النفس. إنما جهاد النفس الذي يؤدي إلى الجهاد في سبيل الله بالقتال في سبيل الله، جهاد النفس التي تهون معه النفس فيبذلها الإنسان رخيصة سهلة في سبيل الله، جهاد النفس تشتمل عليه القتال في سبيل الله يشتمل على الجهادين معا على جهاد النفس وهو الجهاد الأكبر وعلى الجهاد الأصغر وهو محض القتال، لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر، أما أصحاب الضرر كالأعمى الكفيف الذي فقد عينيه كالمعاق فإن أجره يكون طبقا لأجر من قام من الأمة بهذا الفرض والنبي
صلى الله عليه وسلم وهو يذهب إلى تبوك يقول إن بالمدينة أقواما ما صعدتم مرتفعا ولا نزلتم واديا إلا كان لهم من الأجر مثل ما لكم، يعني هم يجلسون في المدينة، لماذا؟ لأنهم يجلسون في المدينة لضرر أصابهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يذهبوا مع المجاهدين ولكن بخاطرهم ونيتهم. وإرادتهم بل لأنهم قد أقامهم الله في ضرب آخر من البلاء وهذا البلاء إنما هو لإدارة الشؤون فإن المدينة تحتاج إلى من يقوم فيها من أجل إدارة شؤونها ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أذن لعثمان بن عفان أن يمرض
زوجته رقية ثم زوجته أم كلثوم وأذن له ذلك حتى أنه تخلف عن الغزوات الكبرى وذلك لأنه كان يقوم بواجب آخر فهنا غيروا أولي الضرر معناها أن الضرورة سواء الإعاقة أو سواء القيام بواجبات الضرورة هي التي أعاقتهم وليست الكسل والعجز والجبن والبخل هو الذي أعاقهم بل أنهم يريدون أن يذهبوا في سبيل الله لكنهم هذه المرة حالت بينهم وبين ما يشتهون إما حسا وإما شرعا هؤلاء لا يستوون مع المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فهناك
إذن جهاد في سبيل الله هناك جهاد بالأموال مثلما مول عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه جيش العسرة موله كله حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الكرم الشديد من عثمان وبعد هذا الإيمان الراسخ منه رضي الله تعالى عنه ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم، هذه كلمة لو سمعها أحد لاستكان لها ولرأى أنه من المستحسن أن لا يعني لا بأس أن يرتكب ذنبا أو يرتكب ذنبين، ولكن عثمان كان أشد حياء بعد ذلك. من الله سبحانه وتعالى حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرى الملائكة وكشف له الغيب يقول
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة إن عثمان بن عفان كانت تستحي منه الملائكة من شدة حيائه من الله سبحانه وتعالى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحي كذلك ممن تستحي منه الملائكة وكان عثمان بن عفان أشد ورعا بعدما سمع هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلم يضع نفسه في موضع يغضب الله سبحانه وتعالى وعاش عثمان بن عفان ومات وهو يقرأ المصحف الشريف شهيدا إن شاء الله رب العالمين وكان عثمان بن عفان مثالا لهذه الحالة أنهم جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة والدرجة هي
ما بين السماء والأرض درجة ليست درجة سلم ولكنها درجة عظيمة جدا ما بين السماء والأرض وكلا وعد الله الحسنى لأنه مؤمن وفضل الله المجاهدين على القاعدين بعد هذه الحسنى أجرا عظيما يتفاوت في الجنة فاللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين واغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا وألحقنا بالنبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع الله وفي سورة النساء والله سبحانه وتعالى يفضل المجاهدين على القاعدين درجة، والدرجة قد تكون ما بين السماء والأرض، والدرجة لو عرفنا حقيقتها لما ترك أحد منا الجماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وصلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد، يعني صلاة الرجل وحده أو المرأة وحدها.