سورة النساء | حـ 739 | 95 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم نلقاه مع كتاب الله وفي سورة النساء وفي هذه السورة أسس الله سبحانه وتعالى لقواعد الاجتماع البشري وفصلها تفصيلا وبين أنها في منتهاها مبنية على العلاقة بين الرجل والمرأة وهما يكونان الأسرة ثم بعد ذلك يتكون المجتمع بكل علاقاته ويتسع حتى يشمل العلاقات الدولية وشؤون الحرب والسلام وكل ذلك من الاجتماع البشري الأول الذي
بدأ بين الرجل والمرأة والذي أراده الله سبحانه وتعالى كونا وشرعا أساسا للمجتمع ولذلك أراد أن يكون لقاء الرجل مع المرأة على كلمة الله وباسم الله وعلى سنة الله ورسوله كما نقول عندما نعقد عقود الزواج، والله سبحانه وتعالى وهو يؤسس لنا الأسس التي تبنى عليها المجتمعات يتحدث بالتفصيل في جوانب كثيرة، ولكن القرآن قد تجاوز الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، ولكن القرآن وإن أخذنا العبرة منه في سياقه وسباقه ولحاقه وما قبل الآية وما بعدها وفي دلالات ألفاظه إلا
أننا نأخذ أيضا العبرة في الدلالة الاستقلالية التي تعبر بها كل جملة لأنها أولا من عند الله وثانيا هي محفوظة بحفظ الله لها إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وثالثا لأنها مصوغة بطريقة دقيقة لم يتدخل البشر فيها بلغة هي موضوعة من الله سبحانه وتعالى فتتلقى تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، فاللغة من عند الله علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فإذا كانت هذه اللغة من عند الله وهذا هو كلام الله وهذا هو تنزيل الله وهذا هو حفظ الله، من هنا فإننا نستفيد من القرآن في دلالته السياقية والسباقية واللاحقة
ونستفيد أيضا في دلالته الاستقلالية لأنه معجز في ذاته لأنه تجاوز بإعجازه معجزة الرسول التي رآها قومه وآمن كثير منهم بمثلها وآمن كثير من البشر بمثلها على أيدي أنبيائهم ولكن هذا القرآن كانت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم الموجودة فيه هي أنه معجزة رسالة تبقى عبر الزمان وكأنه نبي مقيم لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وما دام قد ختمت به النبوة والرسالة فإن ذلك يشق علينا من أين نعلم مراد الله ومن أين نكون في رضا الله، وهنا يأتي القرآن الكريم ليقوم
بهذا. يقول ربنا سبحانه وتعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وظاهر الآية في سياقها وسباقها يتحدث عن أولئك الذين يجاهدون في سبيل الله جهاد قتال يدفعون عن الأمة أخطار العدوان والطغيان وبين أولئك الذين لم يشاركوا في هذا الجهاد ولكن الله سبحانه وتعالى وإن كان هذا هو المقصود الأول الذي لا ينكر والذي نستفيده من هذه الآيات أن
الله تعالى عبر هنا بكلمة المجاهدين، فهو يقول مجاهدون والمجاهدون، فكلمة المجاهدين كلمة تشمل القتال في سبيل الله وتشمل أيضا العمل في السلم من أجل الله سبحانه وتعالى ومن أجل عمارة الأرض بعبادة الله وبتزكية النفس، وهنا وبهذا يتضح لنا آخر للآية لا يناقض المعنى الأول بل يضاف إليه ويكون أن هناك من البشر من لا يساهم في بناء المجتمعات ولا في الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويختار لنفسه لغناه ماديا أو
لعدم رغبته نفسيا يختار لنفسه العزلة لا المشاركة وهو مؤمن وطيب القلب ومنير الصدر وهو ذاكر لله ولكن رسول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله"، ولذلك فإن القاعدين لهم درجة وثواب عند الله ولكن المجاهدين في سبيل الله المشاركين في بناء المجتمع بكل الوسائل هم أعظم درجة عند الله وهذا
في حال القتال وحالة السلام فيقول إن هذا القعود عن المشاركة إن كان من غير عذر من مرض وضرر فإن المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أو أنفسهم يعني هناك من جاهد بنفسه وهناك من جاهد بماله وهناك من جاهد بماله ونفسه معا أفضل عند الله فضل الله المجاهدين بأموالهم على القاعدين درجة والنبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن هذه الدرجة ويبين أن الدرجة عند الله ليست كدرجة
المنبر وليست كالدرجة التي بين موظف ومن هو أعلى منه أو أدنى منه في درجات التوظيف وليست هي درجة من الدرجات الاجتماعية التي تكون بين الفقراء أو المتوسطين أو الأغنياء أو الأثرياء لكنها درجة مسيرة ما بين أولها وآخرها خمسمائة عام تبقى درجة واسعة قليلا، درجة عظيمة جدا يعني لا بد عليك أن تفهم أن الدرجة عند الله ليست هي درجة سلم ولا درجة وظيفة ولا درجة اجتماعية ولا درجة هكذا يعني بسيطة، بل إن المسيرة بين أولها وآخرها
خمسمائة عام وحتى هذه الخمسمائة عام أيضا نسبية، فإن المسافة التي بين أولها وآخرها خمسمائة عام سير على الأقدام غير التي وأنت تركب فرسا، الفرس أسرع، أما لو ركبت سيارة فيكون أسرع وأسرع، فأما إن سافرت بخمسمائة عام طيرانا فسيكون أسرع وتكون أوسع، لكن لو كنت في سرعة الضوء فتبقى أوسع بكثير من الطائرة، فماذا لو كنت بسرعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعرج في معراجه إلى سدرة المنتهى فيجتاز السماوات السبع في دقائق معدودة، دقائق شيء خارق للطبيعة، فالله قال كن فيكون، وهذا لا علاقة له بالقوانين الحاكمة التي أرادها الله.
أن تحكم هذا العالم إذا فالدرجات أيضا حتى هنا نسبية وكل ذلك أرجعه إلى النيات وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته