سورة النساء | حـ 740 | 95 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 740 | 95 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم اللقاء مع كتاب الله وفي سورة النساء وعند قوله سبحانه وتعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم القاعدون درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما إذا تحدثنا في حلقة ماضية عن الدرجة وأنها ليست كشأن درجات الدنيا
وعلى الرغم من ذلك فإنها نسبية حتى عند ربنا سبحانه وتعالى فمرة يعبر ربنا أن اليوم عنده كألف سنة مما نحسب ونعد ومرة يقول أنه يساوي خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا، كيف يكون اليوم مرة بألف ومرة بخمسين ألف؟ لأن الزمن نسبي كما اكتشفوه أخيرا مع أينشتاين في النسبية ورأى أن الزمن نسبي وأن الزمن الذي قاسوه قديما بدوران الأفلاك فإن دورة الأفلاك
تختلف من فلك إلى فلك ومن مكان إلى مكان، فدورة الأرض ليست كدورة المشتري ودورة المشتري ليست كعطارد ولا الزهرة ولا غيرها من الكواكب التي هي قريبة منا نطوف جميعا حول الشمس، فالدرجة قد تكون واسعة وقد تكون أقل من ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم حددها بخمسمائة سنة. مسيرة خمسمائة سنة وما خمسمائة سنة يعني كم هي الخمسمائة سنة أيضا تختلف ما بين سائر على قدم أو سائر على دابة أو أنه بسرعة الصوت أو الضوء أو أنه بإذن الله يقطعها بسرعة هائلة لا يقيسها البشر في حياتهم ولا في خلق الله في كونه إنما
بإذن الله وأمره إنما يقول للشيء سبحانه وتعالى كن فيكون، والفاء هنا للتعقيب والتعقيب هنا يأتي ملائما وموافقا وتاليا من غير زمن للمعقب. إذن القاعدون عن المشاركة في المجتمع مع التزامهم بأمر الدين إلا أنهم أقل درجة عند الله من أولئك الذين يعانون المشاركة. إذن فالمشاركة نوع من أنواع الجهاد. والجهاد فيه بذل وفيه تضحية وفيه معاناة وفيه مكابدة ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بأبي هو وأمي يقول من خالط الناس وصبر على أذاهم أحب إلى الله ممن اعتزل الناس يبقى أنت أمامك أمران إما أن تعتزل في بيتك وإما أن تشارك فإذا اعتزلت فهذا جائز هذا أنت كفيت خيرك شرك، حسنا وبعد ذلك من الذي أفضل منك يا عزيزي الذي ينزل لكي يتحمل أذى هذا وبلاء هذا مع الصبر الجميل مع التبليغ الحسن مع المشاركة الفعالة، إذن أنت جالس وهو مجاهد، هذه هي
القضية. إذا اتسع إذن معنى الآية فهل يؤثر هذا الاتساع على المعنى عندما وسعنا المعنى أصبح ليس من أفراده القتال في سبيل الله أبدا، فما هو القتال إلا مشاركة في الدفاع عن الأوطان أو في رفع الطغيان أو في صد العدوان، وفي السلم أيضا بناء المجتمع مشاركة إذ إن صورة القتال التي لم ينص عليها إنما تبادرت إلى أذهاننا من ربطنا الشديد في سبيل الله والقتال دائما في أذهاننا في ربط ما بين الجهاد وما بين القتال، ولكن الجهاد معنى أوسع من القتال يشمل القتال ويشمل
أيضا غير القتال. رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، نعم يبقى القتال هذا نوع من أنواع الجهاد وليس كل الجهاد إلا وهو جهاد النفس سمي أصغر لا لتافهته أو لقلته بل لأنه يمضي مدة قليلة شهرا أو شهرين وتنتهي الحرب، وسمي أكبر لأنه هو الذي يصاحب كل الناس كل الوقت ويبقى في الزمن، لكن أهمية القتال مهمة والدفاع وصون الحرمات وصون حوزة البلاد والعباد مهم، لكن الجهاد الأكبر هو أن تجاهد في الله حق جهاده في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، وهنا
بعد أن قرر أن للقاعدين وللمجاهدين الحسنى وكلا وعد الله الحسنى، إذا هو لا يفعل منكرا إنما هو نزع يده من المشاركة، إذا يريد الله سبحانه وتعالى أن يدفعه دفعا عن طريق الترغيب للمشاركة وهذا الدفع ليس إلزاما بقدر ما هو بيان للأفضل دنيا ودينا، وهذا يسلي الدعاة إلى الله لأن الدعاة إلى الله عندما يلقون الأذى من خلق الله فإنهم قد يملون وتحدثهم
أنفسهم أن يذهبوا إلى أراضيهم أو قراهم أو دورهم أو بيوتهم وأن يمكثوا فيها متمتعين بحلاوة الحياة الدنيا وبزهرة شبابهم وبأهليهم وأولادهم ما هذا البلاء ولماذا ولمصلحة من، لمصلحتك أنت، لمصلحتك أنت، الذي تبني لنفسك بيتا في الجنة، وهنا تأتي المسألة أنك لا تبحث عن دنيا تصيبها ولا عن راحة تتمتع بها، ولكنك تبحث عن تأسيس في جسرك هذا الذي تعبر به إلى الآخرة لحياة أخرى هي الأبقى. والأعلى والأحسن فمن الحكمة والعاقل خصم نفسه أن تبني لنفسك
بيتا في الجنة كل حين أو كل يوم أو كل لحظة، وهنا يقول ربنا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ودرجات منه أجرا عظيما، وما مقداره يرتبط ارتباطا وثيقا بالنيات، إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى في خلوصها ووضوحها في قلب المسلم تختلف فهناك نية خالصة تامة لله وهذا فيها أجر عظيم وفضل عميم وهناك نية يشوبها شيء من التردد أو من الخوف أو من الكسل أو من شيء من هذا أو من الدنيا وحينئذ
تقل درجة العظمة ويقل هذا الأجر وإن كان عظيما في نفسه إلا أن العظمة تختلف باختلاف النيات وإنما الأعمال بالنيات وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته