سورة النساء | حـ 746 | 100 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 746 | 100 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء، والله سبحانه وتعالى يبين لنا أحوال الاجتماع البشري من سلم تارة ومن حرب تارة، من جهاد بمفهومه الواسع ومن قتال في سبيل الله تارة. يقول ربنا سبحانه وتعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة، فالله سبحانه وتعالى جعل هناك رابطة الإنسانية وجعل أرض الله واسعة، ولذلك فإنه أمر عباده الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم
أوطانهم أن يهاجروا إذا ما رأوا في ذلك المصلحة، والنبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن رجل قد قتل مائة نفس، ثم عندما قتل تسعة وتسعين نفسا ذهب إلى أحد العابدين الذي لا يعلم وقال له: قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لي من توبة؟ فقال له: لا، ليس لك توبة، فقتله فأكمل به المائة. فلما ذهب هذا القاتل إلى عالم يسأله: قتلت مائة نفس فهل لي توبة فقال ومن ذا الذي يحجر عليك واسعا ويمنعك من التوبة إلى الله، تب إلى الله، ولكني أراك بأرض قوم
سوء. كيف يعني كيف تقتل مائة نفس ويتركونك من غير عقاب ومن غير مؤاخذة؟ لماذا لم يضربوا على يدك؟ لماذا لم يعاقبوك؟ هؤلاء القوم الذين رأوا المنكر فسكتوا عليه قوم سوء ما دمت فيهم وحدثتك نفسك وقد اعتادت على القتل أن تقتل ما بعد المائة فسوف تفعل ولا تجد معونة من هؤلاء على أن يأمروا بالمعروف ولا أن ينهوا عن المنكر اذهب إلى أرض كذا ودله على أرض فإن فيها قوما يعبدون الله يعني يساعدونك على عبادة الله سبحانه وتعالى ومن هنا تأتي فكرة الهجرة إذا ما ضيق على الإنسان في وطنه أمنا أو إيمانا فإنه يهاجر
في الأرض ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة وكلمة الرغام معناها التراب والتراب كان يمثل الأرض اللينة السهلة أثناء المشي فالتراب يجعل الإنسان مرتاحا في مشيه بخلاف الرمل فإنها تحتاج إلى جهد شديد ولذلك كانوا يركبون الإبل وهم يجتازون بها الصحراء لأنها أقوى في حافرها وفي قدمها على أن تطأ الرمل والذي يسير على قدميه في الرمل يشعر بهذا وأنه يحتاج إلى قوة إضافية فوق القوة التي يحتاجها الذي يمشي على التراب فعندما
يقول يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة يعني سيجد ليونة وسهولة وتيسيرا عندما يهاجر في سبيل الله يجد من يقف معه ويعينه بفضل الله سبحانه وتعالى يجد من يرحب به ويقول له أهلا وسهلا أهلا يعني نزلت أهلا يعني نزلت في أهل كأهلك ووطئت سهلا انظر إلى كلمة أهلا وسهلا هذه كلمة السهل هذه أتت من كلمة المرغم أو التراب الرغام، التراب الذي يكون السير فيه أسهل، ولما جاءت السيارات واضطررنا إلى أن نرصف الطرق بالأسفلت فإنها أصبحت أكثر استهلاكا
للنعال. كانت النعال إذا مشت على التراب لا تستهلك ويبقى النعل مع الإنسان سنين طويلة، لكن بعد أن مشينا بها على هذا الأسفلت الصلب هو أصلا من أجل السيارات تجد أن الحذاء مثلا أو النعل أو كذلك قد ذاب واستهلك كثيرا لماذا؟ لأن هذه الأرض فيها صلابة وليست فيها ليونة، ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة، والمراغم فيها سهولة والسعة فيها اتساع، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله يعني مخلصا للنية إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا
يصيبها أو إلى امرأة ينكحها أو يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه إذا هناك من يهاجر في سبيل الله ورسوله ولا يريد بهذه الهجرة وجه الله ولا يريد بها إلا التشرع بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يهاجر لمصلحة أخرى ويشرك في نيته أمورا أخرى ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما، وفي حديث قاتل المائة أنه هاجر من مكانه كما نصحه العالم إلى مكان القوم الذين يعبدون الله من أجل أن يطلبوا منه المعونة فمات في وسط الطريق فاختلفت فيه ملائكة العذاب وملائكة الرحمة، كل منهما تريد أن تأخذه أو تأخذ روحه إليها.
ملائكة العذاب تقول هذا لم يفعل خيرا قط سوى أنه تحرك من بلده إلا أنه لم يؤد الصيام والصلاة والذكر ولم يصلح. عمله وملائكة الرحمة يقولون إنما قد فعل الخير بهجرته هذه فأرسل الله من يحكم بين ملائكة العذاب والرحمة وجعل صدر الرجل يتوجه إلى قرية الخير ويبتعد عن قرية الشر فحكم له بملائكة الرحمة فدخل الجنة اللهم أدخلنا الجنة يا كريم وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته