سورة النساء | حـ 750 | 104 - 105 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما". هذه آية تكتب بماء الذهب وكل القرآن يكتب بماء الذهب، هذه آية لو فهمها المؤمنون ما خابت هممهم قط ولكانوا أحسن الناس، وهو معنى الاستمرار على الحق. في بعض الأحيان تفتر الهمة ولكن يجب أن تستمر، في بعض الأحيان تعلو
الهمة لكن يجب أن تستمر، ولذلك فإن الإنسان المسلم يقيس نفسه على هذه الهمة التي نبهنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي نراها في هذه الآية الكريمة، همة للعمل والاستمرار. أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وعائشة رضي الله تعالى عنها وهي تصف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصفه بأن عمله كان دائما، يعني كان مستمرا. وإن المطلع على السيرة النبوية الشريفة يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما عمليا وكان يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه وكان
يحب دائما من الإنسان أن يحافظ على الأعمال التي يتقرب بها إلى والله وإن قلت وهنا يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نكون على حال الاستمرار أبدا ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إياك أن تفتر همتك فيؤدي هذا الفتور إلى الكسل والخمول والترك. لو فعلتم ذلك فليس لكم عند الله وعد، فليس لكم عند الله نصرة، فليس لكم عند الله عهد ولكن لا تهنوا في ابتغاء القوم إن كنتم تتألمون فإنهم يتألمون كما تتألمون وترجون من الله
ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما حكيما حكيما تقصر الصلاة أنه لا يخاف، هو يخاف أيضا، لا تعتقد أنك أنت وحدك الذي ضاق عليك، بل إنه أيضا يضيق عليه، ولكن هناك فارق يعود إلى الإيمان، يرجع إلى الإيمان، وهو أنك ترجو من الله، لكنه هو لا يرجو من الله لأنه ليس في ذهنه هذا، أخرج الله من منظومته، أنا
لم أخرج الله من منظومتي فأنا أتألم وعند ألمي أقول يا رب وأستعين بالله وأستنصر بالله وأتقوى بالله فإذا بهذه الثقة بالله تخفف عني الألم وتخفف عني العناء وتخفف عني الضيق لكن هو عندما يتألم لا يجد أحدا يناديه ولا يناجيه لا يجد أحدا يتمسك به فهو في ضيق شديد لا مخرج له منه إلا أن يؤمن بالله رب العالمين ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما فالله سبحانه وتعالى عليم
بحال كل من المؤمن والكافر وهو حكيم ولذلك يخفف الألم بواسطة الالتجاء إليه الله يخفف عن حال المؤمن ويزيد الألم في استمراره وشدته في حال الكافر، هذه حكمة إلهية لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق يعني أن هذا الكتاب حق كله في بدايته وفي وسطه وفي نهايته، وهو مهيمن على ما من الكتاب هو الحق لأنه لا يكذب، هو الحق لأن وعد الله سبحانه وتعالى فيه قد أنجز. وعد
الله أن يحفظ كتابه فحفظه ووصل إلينا غضا طريا، لم يختلف المسلمون فيه. وعد الله سبحانه وتعالى بأن يعطي نبيه الكوثر فأعطاه، وأن يرفع ذكره فرفعه، وأن يأتيه المسلمون من أقطار الأرض. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ويطلبون منه الاستغفار فأبقى قبره ظاهرا ووعد الله سبحانه وتعالى وكل ما وعد الله حفظه لنا إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله بعد ما قرر لنا قواعد العدالة وأمرنا أن نعدل سواء كانت القضية بين مسلم ومسلم أو بين مسلم وكافر لا يجرمنكم
شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فالله سبحانه وتعالى علمنا قواعد العدل مع العالمين مع الناس أجمعين ثم أمر نبيه أن يحكم بين الناس بما أراه الله وفقه من نور كان في قلبه يرى ما بين الناس ويحكم بالحق ولا تكن للخائنين خصيما نهى ربنا رسوله من أن يكون محاميا ومدافعا وهو الخصيم معناه أنني أدافع عن شخص ما وأنافح عنه وأحامي عنه وهو المعروف عندنا الآن
بالدفاع وبالمحامي الخصيم لأنني أدخل خصما ضد الآخر لمصلحتها لا تحامي ولا تدافع عن الخائنين الذين خانوا الله وخانوا رسوله وخانوا أماناتهم وخانوا الناس وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته