سورة النساء | حـ 753 | 108 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 753 | 108 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يصف حالة من الحالات النفسية التي يمر بها البشر وينكر عليهم ذلك ويأمرهم بخلافها فيأمر المسلمين باعتبار أنهم يتبعون هذا القرآن الكريم وأنهم يطلبون الهداية منه بألا يكونوا كذلك، وإذا كان واحد منهم كذلك فعليه أن يقاوم نفسه وأن يدربها وأن يربيها على خلاف ما هو عليه، ويبين ذلك أن الله يكره ذلك منه وأنه يحب خلافه. يقول ربنا سبحانه وتعالى: يستخفون
من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا، هو يتحدث عن طائفة المنافقين لكن في الوقت ذاته هو يتحدث إليك، يجب عليك أن تتصف بالصدق والمصداقية والشفافية، فالإثم ما حاك في الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس، وكل شيء تريد أن تخفيه فراجع نفسك فيه، ما الذي يجعلك تخجل؟ وما الذي يجعلك تدبر الأمر بالليل وما الذي يجعلك غير قادر على أن تواجه الخلق لو كان الأمر مستقيما
لما خفت ولما ترددت ولما أخفيت ولكن الإنسان يخجل والإنسان أيضا يريد أن يدبر الأمر بالليل ولكن القضية الثانية بعد الشفافية هي موضوع الكلام ما الذي تدبره هل تدبر خيرا فإذا أردت أن تخفي الخير عن الناس فهذا قد يقبل لكن المصيبة أن يكون ما تدبره شرا فتجمع بين خصلتين خصلة الإخفاء وخصلة الشر ولذلك فهذه الآية تحذرنا من أمرين وليس من أمر
واحد الأمر الأول ألا تتعود على الإخفاء والأمر الثاني ألا تشتغل بالشر ويمكن أن نقول خاصة إذا اشتغلت بالشر يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم، هذه مصيبة أن تراعي الناس أكثر مما تراعي ربك، أن تحسب حساب الناس ولا تحسب حساب الله سبحانه وتعالى. لو علمنا هذا ما تجرأنا على الكذب وما تجرأنا على الغيبة والنميمة والبهتان وشهادة الزور وما تجرأنا على أن نحكي كل لا نسمع باستهانة عجيبة غريبة ولا نتجرأ على أن نتفق على الشر، يستخفون من الناس ولا يستخفون
من الله وهو معهم، فإن الله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى من السر ويعلم الجهر وأخفى من الجهر، فالله سبحانه وتعالى يعلم ظاهرك وباطنك وما تخفي الصدور أيضا، حتى إنك لو حدثت نفسك بحديث فإن الله مطلع عليه هو معكم أينما كنتم زمانا ومكانا ظاهرا وباطنا فالمصيبة الأولى أن تعظم الناس في قلبك أكثر مما تعظم الله والمصيبة الثانية أن يكون هذا التعظيم في غير محله الشرعي
إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وهذه هي الثانية أنهم يستخفون من الناس ولا الله وهو معهم هذه قضية إذ يبيتون ما لا يرضى من القول هذه قضية أخرى ونرى كثيرا من الناس وهم يبيتون ما لا يرضى الله سبحانه وتعالى من القول ومن الفعل ويدبرون الشر بالليل والنهار سرا وعلانية وهؤلاء لهم الويل من عند الله وكان الله بما يعملون محيطا والإحاطة تتمثل في أمرين أنه
يعلم كل شيء على جهة التفصيل أحطت علما بما لم تحط به علما أي إنني عرفت التفصيل وأنت لم تعرف التفصيل يبقى الإحاطة فيها إدراك للتفاصيل ولها معنى مجازي آخر وهو الضبط والإحضار والإهلاك فأحاط بهم أي تمكن منهم ما هو عمل دائرة عليهم والذي يعمل دائرة عليهم أن يكونوا تحت الحصار فيكونوا كأنهم تحت السيطرة، أي
إلى أين ستذهب مني فأنا أعرفك ظاهرا وباطنا وقادر عليك، أما الجزء الثاني فهو وقادر عليك ظاهرا وباطنا، فليس الأمر فقط أنني أعلم بل إنني أيضا قادر ومتمكن منك، والذي يتمكن منه فإلى أين يأخذه؟ إنه يستطيع أن يدمره يؤذيه يمكن أن يحبط عمله إذا لم يكن في كونه إلا ما أراد وما يدبره في الخفاء من شر فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يهلكه ويدمره ولذلك فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله لا الحول والقوة في تدبيركم ولا الحول والقوة في إخفائكم ولا الحول
والقوة في لا حول ولا قوة إلا بالله وكان الله بما يعملون محيطا أي عالما قادرا على إبطال شرهم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته