سورة النساء | حـ 758 | 115 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 758 | 115 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، هذه الآية أيضا آية تتعلق بالاجتماع البشري وبسلامة صحة المجتمع، فالمجتمع شأنه شأن الإنسان يصح ويمرض، فإذا صح فإنه يكون مجتمعا قويا وإذا مرض فإنه يكون مجتمعا ضعيفا ولا بد من الالتفاف
حول القيادة وقيادة الأمة جعلها الله سبحانه وتعالى في يد رسوله صلى الله عليه وسلم فجعله هو المطاع وجعله هو الحجة وجعله هو المرجع وجعله هو الحاكم وجعله هو الفيصل وجعله هو المحور الذي يلتف حوله الجميع. ولأن الإسلام دين عالمي يتجاوز الوطنية والحدود ويؤمن بفكرة الأمة مع عدم معارضتها للوطنية فإنها دوائر متداخلة وليست متعارضة فإنه جعل المثال
الأعلى والقدوة الكاملة إنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. القيادة تحتاج إلى أن يكون صاحب القرار بعد المشاورة والمداولة والدراسة أن يكون واحدا حتى لا تتشتت. الأمر ولذلك ترى الحكماء فهموا هذا من خبرة الزمان وقالوا السفينة التي لها رئيسان تغرق لأن رئيسا سيقول امش ورئيس يقول قف فيحترق المحرك رئيس يقول أسرع ورئيس يقول أبطئ فيفسد الحال ولا نصل رئيس يقول شمالا ورئيس
يقول يمينا فنتوه في البحر أما لو كان رئيس واحد عارف هو يفعل ماذا حتى لو عاد إلى الخلف ، عاد إلى الـخلف لكي يتقدم للأمام في خطة في عقله، أما هكذا فهو يأخذ مرة من هنا ومرة من هنا من غير وعي، فيحدث الشقاق، الشق شق يعني ماذا؟ فجوة هكذا فجوة، فيحدث شقاق يحصل شق، وهذا الشق يؤثر في الحالة الاجتماعية فتكون هذه هي صورة الاجتماع البشري صورة الناس هذه بكل مراتبها فوضع صفات للقيادة العليا وهذه صفات القيادة فإن الأمر يتسلسل فيها من القائد
الأعلى للأمة الذي تجاوز الزمان والمكان صلى الله عليه وسلم إلى قائد الأمة الزمني أيا كان في خلافة تجمع بين المسلمين إلى قائد البلاد ولذلك يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم جميعا على رجل وجاء من يشق عصا الطاعة فاقتلوه كائنا من كان، ويقول الدين جماعة، ويقول أطع الإمام ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك، ورأينا عبر التاريخ إماما عادلا ليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت،
وإماما ظالما يظلم الرعية. ويقسو عليهم ويحملهم ما لا طاقة لهم به، رأينا هذا وهذا ولم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج وذلك لعدم وجود الشقاق، لأن القيادة تستلزم هذا مع إنكار المنكر مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الساكت عن الحق كالشيطان الأخرس ويقول أنا وصاحب كلمة حق عند سلطان جائر كهاتين في الجنة، فإذا لم يأت أحد ليقول إن الإمام الظالم يجب أن نخرج عليه، أنتم أيها المسلمون
تكرسون الظلم، لا بل نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونتكلم بالحق عند السلطان الجائر وعند غيره، ولكن لا نخرج عليه، ولذلك هو في أمان، تراه يراجع نفسه وفي كثير من التاريخ راجع الحاكم نفسه وعاد إلى رشده كثيرا وفي كثير أيضا لم يرجع إلى رشده والأمر لله ولكن لا بد لنا أن نستمر في الطاعة وأن نستمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلمة الحق حيث ما كنا فوضع لنا هذه الصفة للقيادة ومن يشاقق الرسول لا تعملوا معه طاعة
قالوا سمعنا وأطعنا والنموذج الثاني قالوا سمعنا وعصينا لكن النموذج الإسلامي قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى تبين وما زال أيضا يشاقق فيكون الشقاق هنا ليس لغرض الهدى وإنما لغرض الدنيا لمصلحة قد اكتسبتها عائلته وقبيلته من قبل فيشاقق الرسول وكأنه يقول نعم إنك رسول لكني لا أطيعك تناقض ويتبع غير سبيل المؤمنين فما هو سبيل المؤمنين الطاعة نوله ما تولى
ونصله جهنم وساءت مصيرا الآية تتحدث عن صفات القيادة تتحدث عن طاعة الرسول تتحدث عن عدم الخروج عن الجماعة تتحدث عن المجتمع القوي الذي يلتف حول قيادته فلا تأتي فكرة الخروج وإنما تأتي فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلمة الحق والنصيحة الدين النصيحة وهكذا الآية واضحة في هذا ولكن هذا معناها الظاهر أما معناها العميق فهو الالتزام بإجماع المسلمين هذا هو معناها العميق إذن
الالتزام بإجماع المسلمين وأن إجماع المسلمين وهنا يقرأ الإمام الشافعي القرآن ستين مرة حتى يصل إلى هذا المعنى وهو يبحث عن دليل من كتاب الله يؤيد حجية الإجماع التي أقرها المسلمون من الصحابة والتابعين وتابعيهم أين هي في كتاب الله حتى وصل إلى هذه الآية وفي لقاء آخر نفصل الكلام تفصيلا على كلام الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في إقرار هوية الإسلام وتثبيت أركانه في قلوب الناس وتجاوزه عبر الزمان والمكان بهذه الآية المباركة من سورة النساء، فإلى لقاء آخر أستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.