سورة النساء | حـ 770 | 123 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 770 | 123 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يرسم لنا الله سبحانه وتعالى طريقة الاجتماع البشري بالتفصيل وكيف نضع القواعد الضابطة لهذا الاجتماع وكيف يكون في طريق الله وتحت كلمة الله سبحانه وتعالى فقال ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب إذ فهو ينبه على مسألة اجتماعية خطيرة وهي إطلاقية المعيار، معيار التحسين والتقبيح، ما الشيء الحسن وما الشيء القبيح، معيار الحق
والباطل، ما الحق وما الباطل، معيار الخير والشر، ما هو الخير وما هو الشر، فإن مصالح قوم عند قوم مفاسد، ومصالح قوم عند قوم مصائب. ومصائب قوم عند قوم فوائد، وهكذا فما وصف هذا العمل فإنه نسبي، وما دام نسبيا فإنه يحتاج إلى المعيار المطلق. قد أقول لك إن هذا العمل قد آذاني فترد علي ولكنه قد نفعني، فهل هو نافع أم ضار؟ تصور أن أحدهم قد أخذ مالا من أحدهم بغير وجه حق، فالذي أخذ فاستفاد
والذي أخذ منه قل ونقص فيقول الذي استفاد هذا شيء طيب ويقول الذي أخذ منه هذا شيء سيء إلا أن الآخذ في هذه الحالة سارق وهذا والمأخوذ منه مسروق منه وفي صورة أخرى أخذ هذا الشيء هو حق له لأنه قد باع واشترى وهذا أخذ منه الشيء لأنه قد حصل على السلعة فمن الذي يقول أن السرقة خير أو شر ومن الذي يقول إن البيع والشراء خير أو شر إن الذي يقوم بذلك هو الله سبحانه وتعالى وعلى ذلك فلا
بد للمجتمع من معيار مطلق يحكم بين الناس بالعدل والمجتمع الذي يترك نفسه للنسبية المطلقة فإنه يصل إلى حد الفوضى ثم العبث ثم أكل مال الناس بالباطل وتعرض الأرواح للهلاك والفساد في الأرض ثم التدمير لا التعمير، إذا لم يكن هناك معيار مطلق فإننا نصل إلى النسبية المطلقة، وإذا وصلنا إلى النسبية المطلقة فليس هناك حق وباطل بل إن الكون كما تراه، فإذا رأيت هذا حقا فهو حق أو هو باطل فهو باطل وتعم الفوضى فيقول ربنا سبحانه وتعالى بعد أن سلب منا وضع المعيار وجعله
معيارا مطلقا عبر الزمان والمكان يسير على رقابنا وعلى رقاب أجدادنا وعلى رقاب أحفادنا بنظام قيمي أخلاقي ينتسب إلى أحكام ثابتة عبر الزمان والمكان مهما اختلفت الأشخاص والأحوال يقول ربنا سبحانه وتعالى ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، بمعنى أنه قد سلب منا وسلب من الآخرين أن نضع المعيار، وصارت هذه الكلمة على ألسنة المسلمين عبر التاريخ دالة على هذا المعنى أن الحق أحق أن يتبع وأنه ليس بأيدينا شيء وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأن كلام الله هو على رقابنا وعلى رؤوسنا
وعلى أعيننا مهما كان مخالفا لمصلحتنا أو لهوانا وشهوتنا أو لضيق أفقنا وأحوالنا الآنية، ولذلك لا نشتري بآيات الله ثمنا قليلا، فإن مراد الله من خلقه وأن حكم الله سبحانه وتعالى مطمئن لقلوبنا، قلوبنا تطمئن لأنه ليس فيه غرض ولا غاية ولا شهوة ولا منفعة، بل إنه يحكم بالحق سبحانه وتعالى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، إذا فعلينا هنا أن نتأكد من هذا المعنى الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة وأن نجعل مثل هذه الآيات مفهومة في سياقها وسباقها وفي مجمل عقيدة
المسلمين، ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، هو تحرير للعقل البشري من الهوى وتحرير للإنسان من الشهوة وتحريره من الظلم ومن التحيز الأحمق الذي قد يؤدي به وبدينه وبدنياه، والحق يقول تعالى من يعمل سوءا يجز به، أي سواء كان منكم أو من أهل الكتاب، سواء كان قد ادعى الإيمان أو لم يدع الإيمان، وهذه كلمة في اللغة. العربية ذكرنا مرارا أنها للعموم، من يعمل سوءا يجزى به، من هذا أي فرد،
هذا يعني أي فرد، أي شخص من غير شرط، من يعمل سوءا يجزى به أي بسببه، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، إذن العدل لا يفرق بين الناس، إن الله يأمر بالعدل. والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ولا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى أي لا بد عليك أن تعدل ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا حتى لو كان هذا من أقربائك وممن يجب عليك أن تكون منحازا لهم
بأصل الاجتماع البشري إلا في مسألة العدل وإطلاق القيم والأخلاق فلا بد عليك أن تعدل فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ومن هنا قرر علماء المسلمين ويكادون يتفقون على ذلك أن الحاكم إذا كان كافرا عادلا فهو أولى عند الله من المسلم الظالم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وأنه ليس بين المظلوم في دعوته وبين الاستجابة من الله حجاب، فلو دعا المظلوم ولو كان كافرا استجاب الله له. إذا فهذه قيمة عليا يربي بها الله سبحانه وتعالى الناس أجمعين، خاصة المسلمين الذين يؤمنون بهذا الدين. ليس بأمانيكم ولا
أماني أهل الكتاب، حتى صار ذلك من أمثالهم ومن مضرب قولهم في هذا. المقام وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته