سورة النساء | حـ 772 | 125 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا". تستمر السورة في بناء نفسية المسلم الذي هو فرد من أفراد المجتمع البشري الرباني كما يريده الله سبحانه وتعالى للبشر، والدين هو وضع إلهي يعني
جعله الله سبحانه وتعالى في صورة أحكامه التي شرعها. هذا معنى الوضع، هو الجعل، جعل الشيء إزاء شيء آخر، فالذي جعل الله سبحانه وتعالى للناس من أحكام إزاء الأفعال هو الله. وليس ذلك من هوى البشر ولا من حكم الأنبياء، فلا حاكم إلا الله بهذا المعنى، ولا إله إلا الله بهذا المعنى، بمعنى أن الله وحده هو الذي شرع وأن الله وحده هو الذي أنزل الدين، ولذلك فالدين تعريفه أنه وضع إلهي وليس وضعا بشريا، إنما هو وضع إلهي سائر الحكم
إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه فالحاكم هو الله بمعنى أنه لا مشرع مع الله الذي وضع الحسن والقبح والذي وضع القيم والأخلاق والذي بين أحكام الأفعال من حق وباطل وخير وشر وصحة وفساد هو الله والذي قال افعل فأوجب علينا وندب وأباح أو قال لا تفعل فحرم علينا أو كرهنا لذلك، ذلك هو الله، فالحكم لله. وضع إلهي يسوق أصحاب الفطرة السليمة إلى ما فيه خير. تعريف
الدين هكذا وضع إلهي، وضع إلهي هناك، وضع إلهي كوني. فوضع الله سبحانه وتعالى الشمس والقمر والسماء والأرض والنجوم وجعلها علامات، وبالنجم هم يهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون، ولكن هذا وضع إلهي أن الشمس تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، وأن معظم الدنيا تقوم على الشتاء والصيف والخريف والربيع، وأن اليوم يتناوب بين الليل والنهار، وضع إلهي ولكنه وضع إلهي كوني، أما الدين فهو وضع إلهي يهدي، وهدف الدين هو أن
يمهد للإنسان طريقه في هذه الحياة الدنيا في أفعاله. يسوق ذوي الفطرة السليمة، يجب أن تكون فطرتك سليمة حتى يستطيع الدين أن يصل بك إلى بر الأمان، والفطرة المعوجة ما هي؟ الفطرة المعوجة أن الدين لا يسوقك بالرغم من أنه دين وبالرغم من أنه وحي إلهي لا يسوقك إلى الخير على حد قول من لم تنهه صلاته عن الفحشاء صلاة له يعني لم تؤد الصلاة الغرض الذي من أجله وضعت، فلما وضعت الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر
الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، فسبب الصلاة أنها تذكرك بالله وأنك بهذه الذكرى تنتفع فتتذكر الخير والشر وتتذكر التقصير الذي أنت فيه فتتوب إلى الله وتنتهي وترد الحقوق. إلى أصحابها وتحدث همة عندك في الإصلاح إلى الإفساد، هدف الصلاة هكذا تنهاك عن الفحشاء والمنكر. إن الصلاة الحقيقية التي تؤتي ثمارها تنهى عن الفحشاء والمنكر، أما الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر فتكون قد تعاملت مع فطرة غير سليمة، ولذلك لا تصل إلى غايتها، ولذلك فأنت مصل في الظاهر ولكن في الحقيقة صلاتك لا تصعد إلى بارئها
إلى ربك بل تبقى معلقة فوق رأسك قليلا غير راغبة في الصعود وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فهي تصعد إليه الكلمات الطيبات والأعمال الصالحات ولما كانت هذه الصلاة ليست من هذا الجنس فلا تصعد ولا تؤثر لا بد أن الوضع الإلهي يسوق ذوي الفطر السليمة إلى ما فيه خير في الدنيا والآخرة، ولذلك قالوا إن الدين يؤدي إلى سعادة الدارين: دار الدنيا ودار الآخرة. في الدنيا ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وفي الآخرة الجنة ونعيمها. إذن هذه الصلاة وهذه العبادة
وهذا الدين ما أدري على وجهي فإنه يؤثر في أصحاب الفطرة السليمة فواحد يأتي يقول لك إذن الصلاة لا تريد أن تنهى هذا عن الفحشاء والمنكر نقول له إذن ألا يصلي فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لعل صلاته أن تنهاه يوما يمكن مرة يفيق ويعتدل فصلاته تعدله ولذلك لا بد علينا أن نستمر على الدين سواء كانت فطرتنا سليمة أم لم تكن سليمة لأنه في يوم من الأيام سينظر إلينا الله بنظرة الرحمة ويقوم فطرتنا ونصل إلى خيرنا وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته