سورة النساء | حـ 774 | 125 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 774 | 125 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى: "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا". فالله سبحانه وتعالى يأمر عباده أن يسلموا. وجههم لله وهذا معنى الإسلام الحقيقي ومن أجل هذا يرى المسلمون أن الإسلام كما قال لهم ربهم هو دين جميع الأنبياء من لدن آدم إلى خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم فكلهم إنما
قد أسلم وجهه لله فسمي بذلك مسلماً لأنه صدق الله وتوكل عليه وتلقى منه ما أراد ووقف عند حدوده فاعتمر بأمره وانتهى بنهيه وطبق أحكامه على نفسه، فمن أجل ذلك يكون قد أسلم وجهه لله. فأول شيء هو معنى الإسلام، الإسلام ليس هو الشرع المحمدي فقط، بل الإسلام هو دين الأنبياء جميعاً، وهذه النظرة جعلت المسلم يحترم جميع الأنبياء، فلا تراه قادراً ولا يستطيع، ولو فعل لخرج. عن ذات إسلامه تراه لا
يستطيع أن يزدري دينًا من الأديان ولا أن يتكلم عن نبي من الأنبياء ولا أن يكفر به ولا أن يرده أو يعترض عليه، بل تراه يؤمن بالجميع ولا يذكر اسم واحد منهم إلا وهو يقول سيدنا، سيدنا موسى، سيدنا عيسى، سيدنا إبراهيم، بكل إجلال وتقدير. وهو يعلم أن هؤلاء هم الذين أسلموا وجههم لله وأن الله رضي الله عنهم وأن الله سبحانه وتعالى قدمهم واصطفاهم على عباده وفضلهم على كثير من عباده تفضيلا من أصل عقيدة المسلم أن يؤمن بهم ولا يستطيع أن يتجاوز حده حتى أن أتباع أولئك الأنبياء إذا ما اعتدوا على النبي المصطفى
والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم، ترى المسلم وهو يغتاظ بفعلهم هذا لا يرد إساءتهم إلى النبي بإساءته إلى نبيهم، فإن إيمانه بنبيهم جزء لا يتجزأ من إيمانه بالحبيب صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نؤمن بهم جميعاً، ولو أننا آمنا ببعضهم وكفرنا ببعض. لكان ذلك هو الكفر حقاً، والله نهانا عن ذلك. فأمرنا أن نسلم وجهنا لله. ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد
العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾. فالله سبحانه وتعالى أبداً أمرنا أن نؤمن بالرسل جميعاً. لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، قولوا آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وهكذا أبداً نرى الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نؤمن بكل وحي أوحى وبكل رسول أرسل وبكل كتاب أنزل، وفي النهاية نشهدهم بأن نسلم وجوهنا لله، ولكن إسلام الوجه. لله هي صفة من الصفات التي تكلم الله
عنها لجميع الأنبياء والرسل، فهذه واحدة: أسلم وجهه لله وهو محسن. هذا من حسن الديانة، من حسن الديانة أن تسلم وجهك، ومن حسن الديانة أن تحسن. وجاء جبريل يعلمنا ديننا عن طريق سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: وما الإحسان؟ قال له أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، أولاً تُسلِم وجهك بالطاعة فتكون متشرعاً، تصلي، تصوم، تحج، تعتمر، تذكر، تدعو، لا تفعل المنكرات. الإسلام معناه
التزام بالشريعة. ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم. رمضان وتحج البيت وهكذا، طيب، إن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. وهنا مقام الإحسان أن تخلي قلبك من كل قبيح وأن تملأه بكل صحيح. يقولون هكذا، ما هو القبيح وما هو الصحيح؟ القبيح هو الكبر، القبيح هو الطغيان، الحقد، الحسد، أمراض. القلوب كل قبيح أما الصحيح فهو التواضع الحب في الله وهكذا وهذا هو الذي اهتم به أهل التصوف فبينوا
للناس كيف ينقى القلب من كل قبيح وكيف يملأ بكل صحيح إذا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن هذه ثانية واتبع ملة إبراهيم فكيف كانت ملة إبراهيم كانت ملة إبراهيم تميل إلى طريق الله حنيفاً، واتبع ملة إبراهيم، ما لملة إبراهيم كيف تكون حنيفاً؟ والحنيف هو المائل، ولم يكن مائلاً عن بل مائلاً إلى، فالإنسان هكذا يكون في استقامة وهكذا يكون في ميل، لكن الميل إلى غير
الميل عن، فكان إبراهيم مائلاً إلى الله، يعني لو كان هناك أمران. أمرٌ مع الله وأمرٌ ليس مع الله، يميل إبراهيم مع الأمر الذي مع الله، إذاً فهذا هو حد الورع، حد التقوى. فالذي لا يميل وينفذ ما يؤمر به هذا مؤمن، هذا مسلم، وقد يصل إلى أن يكون محسناً. أما الآخر فإنه يريد أن يفر إلى الله، هو مشتاق لأن يكون. مع الله هو دائماً يحب لقاء الله، إذاً هذا هو الحنيف، هذا هو المائل إلى هذه الجهة، ويختلف الناس فترى بعضهم يفعل
الشيء لا يريد أن يزيد عليه، كما جاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن أركان الإسلام، فأرشده إلى أن الله قد فرض علينا خمس. صلوات في اليوم والليلة وصيام رمضان والزكاة والحج وكذا، فقال وهو يسير: "والله لا أزيد عليها ولا أنقص"، فقال: "أفلح وأبيه إن صدق". هذا نموذج لا يريد أن يزيد شيئاً، حسناً، إذا لم تزد شيئاً ستدخل الجنة، ولكن الآخر هو في شوق لله سبحانه وتعالى، وهذا معنى كونه حنيفاً، فإذا كنت كذلك فينبهك الله، واتخذ الله إبراهيم خليلاً، فإن حب الله قد تخلل فيه حتى سُمي خليلاً. وإلى
لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.