سورة النساء | حـ 777 | 127 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 777 | 127 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى "ويستفتونك في النساء"، والألف والسين والتاء تدخل في لغة العرب للطلب، أي أنهم يطلبون منك الفتوى، والفتوى بيان حكم شرعي في واقعة، والحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب أو التخيير، وعلى ذلك فالحكم على خمسة أنحاء: واجب وحرام ومندوب ومكروه ومباح، وهذه
الأحكام الخمسة لا يخرج عنها وصف الفعل. فإذا طلب الإنسان وصفا شرعيا لفعل إنساني فقد طلب حكم الله سبحانه وتعالى في ذلك الفعل، إلا أن الفعل محاط بالزمان والمكان والأشخاص والأحوال. ولذلك يختلف الفعل عن مثيله إذا اختلف الزمان أو اختلف المكان أو اختلف الحال أو اختلف الشخص الذي صدر منه ذلك الفعل، ولذلك فإن الفتوى هي بيان الحكم الشرعي في الفعل الإنساني المحاط بتلك الأربعة والمسمى بالواقعة، فكلمة واقعة معناها أن فعلا بشريا وقع بظروف
معينة محاطة بزمان معين ومكان معين من شخص معين في حالة معينة وهنا تختلف الفتوى عن مجرد الحكم فالخمر حرام باتفاق المسلمين لكن من اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه وهنا دخلت الحالة فغيرت الفتوى فهذا الذي شرب الخمر لأنه مضطر لم يرتكب حراما في حين أن الخمر حرام باتفاق الناس أجمعين، لماذا؟ لأن هناك فرقا بين الفتوى وبين الحكم، فكلمة ويستفتونك أي أنهم يطلبون منك بيان الحكم الشرعي في واقعة بعينها، ولما
كان الأمر متعلقا بجنس من البشر والتكليف عام كان هذا من قبيل الفتوى، فلو أن الأمر متعلق بعموم الناس لم يكن فتوى وإنما كان خاصا بالنساء دون الرجال وهنا تأتي الفتوى لأن هل هناك فرق بين الرجال والنساء في ذلك الحكم المسؤول عنه فيحتاجون إلى إجابة وذلك لأنهم كانوا يعاملون النساء معاملة المتاع ومعاملة الأشياء التي يجري عليها الملك وهذا يناقض
الإنسانية في حد ذاتها ولذلك جاء الإسلام فأخرج المرأة من عالم الأشياء إلى عالم الأشخاص وساوى في التكليف والتشريف بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة جعلهما من نفس واحدة وصدر الله بها تلك الصورة يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وعلى عكس ما ينتشر في عقائد أخرى حدثنا الله سبحانه وتعالى عن أصل الخلق وفي عقائد كثيرة فإن المرأة مذنبة بأصل
خلقتها وأنها كانت سببا في إخراج البشرية من جنة ربها لتعايش الحياة في الأرض وجاء القرآن ليدفع عنها هذه التهمة ويبين أن المرأة والرجل على حد سواء في التكليف وفي التشريف وأن المعصية تصدر من الرجل وتصدر من المرأة وأنها لم تكن سببا في إخراج البشرية من الجنة، بل كان معهما في مسؤولية واحدة. قال تعالى "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه". في حين إذا ما قرأنا كتبا أخرى وجدنا أن حواء قد أغوت آدم واتفقت مع إبليس، وعلى ذلك فهي
شريكة لإبليس بأصل خلقتها، وهذا أمر يرفضه ربنا سبحانه وتعالى لأنه ليس هذا هو الحق، فالحق أن الرجل والمرأة في دين المسلمين على حد سواء، إلا أن الله سبحانه وتعالى أقام للرجل خصائص وأقام للمرأة خصائص وجعل الاثنين متكاملين، ولذلك تختلف الأحكام بين النساء والرجال بقدر اختلاف الخصائص وما كلف كل منهما من الوظائف لعمارة الأرض ولإحداث التكامل، فالمرأة خصص الله أن يخرج منها تخرج منها الحياة فتحمل وتلد وخصص الله لها الرعاية والعناية صغارا وكبارا والرجل جعله حرا طليقا للسعي
ولتكليف النفقة والعناية والرعاية والحماية التي كلف الله بها الرجال وهذا ليس موقفا منحازا ضد الرجل أو ضد المرأة ولذلك نهانا ربنا عن أن يتشبه كل واحد منهما بالآخر لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، واستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن، إلى لقاء في حلقة أخرى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة
    سورة النساء | حـ 777 | 127 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا