سورة النساء | حـ 778 | 127 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 778 | 127 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وعلى ذلك تشير الآية إلى مقام من مقامات النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان نبيا قائدا للجيوش، وإماما للصلاة، ومعلما للعلم، ومفتيا للناس، وقاضيا لحل النزاعات، وكان صلى الله عليه وسلم نبيا حاكما
سياسيا ومفاوضا. إذن فله مقامات كما يقول الإمام القرافي عندما يميز بين علمه وتدريسه ونبوته وحكمته وحكمه، فكانت له جهات متعددة، ومما تميز به رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر المرسلين إنك مهما كنت فإنك تجد في رسول الله أسوة حسنة لك فمن أنت إذا كنت أنت تاجرا أو كنت زوجا أو كنت
ابنا أو كنت والدا إذا كنت متزوجا امرأة واحدة أو كنت متزوجا نساء كثيرات أو كنت صاحب أسرة مكونة من امرأة وأولاد أو كنت غير ذلك أو توفيت زوجتك إلى آخر ما هنالك من صفات وأحوال، أو كنت ملكا أو مدرسا أو قاضيا أو مفتيا أو عسكريا أو مدنيا، لو كنت أي شيء فإنك في النهاية لك أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع كل شيء وقامت به الأسوة الحسنة. الأتم على العالمين إلى يوم
الدين، ومما تفرد به رسول الله على سائر الأنبياء أنه قد نقلت حياته لحظة بلحظة ونقلت أقواله لحظة بلحظة بنقل عجيب غريب لم ينقل مثله عن أحد في العالمين، لا عن الأدباء ولا عن الشعراء ولا عن الحكماء ولا عن الأنبياء ولا عن الأولياء، لم يحدث في تاريخ البشرية أن اهتم بإنسان هذا الاهتمام البليغ فقامت له الأسانيد ونقلوا بأسانيد هي دين كل إنسان في السند معروف لدينا حاله
وصفته أين ولد وأين مات ومن التقى معروف درجته في الوعي والاستيعاب ومدى صدقه مع ربه ومع الناس أكثر من عشرين ألف راوي عبر عصور الرواية وإلى القرن الرابع الهجري والخامس الهجري نقلوا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة لم ينقلها أحد عن أحد في العالمين، لا الأباطرة ولا الأكاسرة ولا القياصرة ولا الأنبياء ولا الأولياء نقلت حياتهم كنقل حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لقد كان لكم في رسول الله أسوة. حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر
الله كثيرا، ويستفتونك في النساء فأقامه الله سبحانه وتعالى مفتيا للأنام وهو سيدهم، وتشير الآية إلى علو مقام بيان الأحكام الشرعية في الوقائع الشرعية الواقعة بين الناس، وأن ربنا سبحانه وتعالى ولكي يبين لنا أهمية الإفتاء أسنده لنفسه وكفى بذلك مكرمة وكفى. بذلك مسؤولية وكفى بذلك تحذيرا من الاعتداء على الفتوى بغير علم أو بالهوى أو حتى يرضي بها الخلق، بل لا بد له أن
يرضي بها الخالق لأن الله عظم شأنها بنسبتها إليه "قل الله يفتيكم فيهن" فأقام الله الفعل وأسنده لنفسه سبحانه وجعل إفتاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجمة لفتاوى الله سبحانه وتعالى يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين عن رب العالمين في شروط من يوقع عن الله وعن خطورة ذلك أنه يجب على المفتي أن يستحضر هذا الجلال عندما يوقع عن رب العالمين وأنه يبلغ الناس ولذلك إذا أخطأ فله أجر لأنه اجتهد إخلاص واجتهاد، وإذا أصاب فله أجران، بل
أخرج الإمام الدارقطني أنه إذا اجتهد فأخطأ فله أجران، وإذا اجتهد فأصاب فله عشرة، وذلك لبيان حماية الله سبحانه وتعالى له بإخلاصه وحضور نيته مع الله سبحانه وتعالى، ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن، فهذا يبين علو مقام الإفتاء وبين تعدد حال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسوة الحسنة وبين خطورة هذا الإفتاء عندما نسبه الله سبحانه وتعالى لنفسه وجعل الجرأة فيه إنما هي نوع من أنواع التألي على الله ولذلك من تسرع في هذا وتصدر
دون أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم فإنه يرتكب جريمة لا يعرف هو مداها فإنا لله وإنا إليه راجعون وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته