سورة النساء | حـ 783 | 129 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 783 | 129 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما". فالله سبحانه وتعالى هنا يتحدث عن حال الأسرة، والأسرة تتكون من شخصين لكل منهما عقل وتاريخ وحال مع الله ومع النفس ومع الناس، فهما وإن كانت
بينهما عشرة ومودة وسكينة وقد يكون بينهما في كثير من الأحيان حب وود، إلا أنهما شخصان وليس شخصا واحدا، وقلما يذوب أحدهما في الآخر منهما في الآخر يحدث أيضا شبه اندماج بين الاثنين بين الرجل والمرأة فيكونان كالشيء الواحد وهو نادر وليس هو الأصل في البشرية إلا أنه أمر يبتغى ويراد ونسعى إليه ونتمناه وليس كل ما يتمناه المرء يناله وهي مسألة راقية أن يختلط الرجل بزوجته والمرأة بزوجها
اختلاطا وكأنهما من نفس واحدة كالأمر الأول بين آدم وحواء، ولذلك نرى أن آدم لم يتعدد ولم يخلق له الله سبحانه وتعالى امرأة أخرى وثالثة ورابعة غير حواء، أو أنه مثلا والله على كل شيء قدير ويفعل ما يشاء لم يبح له أن يتزوج من بناته مثلا، وإن كانت هناك بعض العقائد والشرائع والأفكار التي للإنسان أن يتزوج من أمه ومن أخته ومن ابنته والعياذ بالله تعالى إلا أن شرع الله وأمره في كونه أنه جعل المرأة واحدة لذلك الزوج الواحد وجعل ذلك هو الأصل ولكنهما اندمجا
لأنهما كانا في الحقيقة من نفس واحدة كما في أول السور ولما كان الأمر كذلك والله أعلم بما هناك وأن الأسرة مكونة من شخصين وليس من شخص واحد وأنه يصعب وليس يستحيل أن يجتمعا فيعودا كالشخص الواحد فإن الله سبحانه وتعالى فتح المجال للتفاهم والتفاوض فقال ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم يعني لا تيأسوا فإن هذا هو الغالب الأعم أنت مع حرصك أن تعدل فإنك مع الحياة ومقتضيات
الحياة سيصدر منك التقصير بلا جدال ولا نزاع، رجل يبر أمه فإذا ببره هذا يكون على حساب كمال بر زوجته، طيب فماذا سنفعل؟ إن الشريعة جاءت وأمرتنا أن نبر أمنا وجعلتها بابا لنا للجنة وأمرت ببرها مكررا ومؤكدا، فإذا ما أعطيت لأمي وقتا فقد أعطيته على حساب زوجتي وفي كثير من الأحيان على حساب أولادي إذا فمهما كنت حريصا على إرضاء هذه الزوجة فإن
وجود الأم وكأنها تنازع هذا الحرص وتأخذ منه جزءا وأين الأم في كبر سنها واحتياجها لابنها وحبها الفطري له وهو جزء منها وغيرتها عليه وحبها الفطري في أن تتملكه أين هي تلك الأم التي تتنازل عن رضاها وعن قرار قلبها تجاه ابنها لصالح زوجته تعني أنها وصلت إلى مرتبة أولياء الله الصالحين العظام، وقد حدثنا التاريخ الإسلامي عن بعض النساء اللواتي كن على هذا الحال من عدم الغيرة على الرجل وعدم التملك له وعدم
الحرص على أن يكون خالصا لها سواء أكانت أو أمك أو ابنتك أو أختك أو نحو ذلك، فكيف الحال؟ الحال أنه نادر وجود هذا، والأعم الغالب أنك مهما حرصت على أن تكون عادلا مرضيا طيبا، فإنه لا يكون ذلك بسبب وضع الحياة وطبائع الخلق في ذاتها، ولذلك عبر الله سبحانه وتعالى عن هذا وقال "ولن"، وكلمة "لن" عند عموما النحويون يرون أن "لن" ليست للتأبيد وإنما للتأكيد، إلا الزمخشري فقد غلبه
مذهبه الاعتزالي فجعل "لن" للتأبيد لا للتأكيد. و"لن تستطيعوا" يعني أنه لا يوجد شيء سيفلت هكذا أو هكذا، لا، وإنما معناها الشيوع والكثرة وندرة المقابل "أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، والتعبير القرآني يشتمل على هذا المعنى بين النساء وليس بين الزوجات بل قال بين النساء وكأنه حتى بين الزوجة والأخرى أو بين الزوجة والمطلقة أو بين الزوجة والأم أو بين الزوجة وواحدة من ذلك لأن المرأة تحب الرجل والرجل يحب المرأة بأصل الفطرة وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
    سورة النساء | حـ 783 | 129 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا