سورة النساء | حـ 784 | 129 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" واللافت الذي نريد أن ننتبه إليه أن الآية أعم مما يتبادر إلى الأذهان منها، فإن الذي الأذهان منها عامة، إنما هو العدل بين الزوجات، وعندما يستدلون على أن الأصل هو توحيد الزواج أو التعدد، بعضهم يستدل في أثناء استدلاله بهذه الآية ويقول: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، وعلى ذلك
فلنتزوج امرأة واحدة، وهذه مسألة وهذه مسألة أخرى لأن الآية لم تتحدث عن الزوجات وإنما سبحان الله تكلمت عن النساء والنساء كما أنها تشمل هذه الكلمة الزوجات وهي صورة من صورها ولا ننفي أن تكون مشتملة على هذه الصورة إلا أن قصرها عليها وحدها هو محل المؤاخذة وإن الحرص مطلوب بأن نعدل بين النساء سواء كانت هذه المرأة زوجتي أو أمي أو ابنتي أمي وزوجة أبي مثلا، يعني لو حرصت على أن أبر
أمي وأن أبر زوجة أبي المتوفى الذي تركها وأوصى بأن نلتفت إليها وهي زوجة أبي فهي كأمي، فإن ذلك يغضب من طرف خفي أمي وتعاتبني لأنها غيورة وتريد مني أن أقاطعها وأن أنسلخ منها بأصل الفطرة التي فطر الله عليها وهي فطرة ليست بردية لأن الله إنما فطر النساء على ذلك حفاظا على الأسرة وحفاظا على الأبناء وحفاظا على الحياة فهذه الصفات وإن كانت صفات نهذبها ونضبطها وندعو إلى أن تكون تحت التحكم وأن
نقاومها فهي كالصفات الجبلية كحب الأكل وحب الشرب وحب النوم فإنها أمور ليست منقصة إنما في الحقيقة تقوم بها الحياة فمن غير أكل وشرب ونوم لا تقوم الحياة ولكن وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ولما أيقظ النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة من أجل التسبيح والصلاة بالليل واعترض الإمام علي من طرف خفي فإنه قال وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وجعل التهجد وهو القيام من النوم من أجل الصلاة والذكر والقراءة أمر مندوب إليه، ولذلك
فالنوم وإن كان لذيذا إلا أننا نحاول أن نقلل منه، ولذلك قالوا إن طريق الله بقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام والانكفاف عن الناس، يعني المرء يقلل من كلامه لأن الكلمة أنت مالكها حتى إذا نطقت بها كانت هي ملكتك وقلة الطعام وقلة النوم تجعلك نشيطا وتجعلك مؤديا للواجبات والمندوبات وتعيش في جو آخر غير جو الكسل وقلة الهمة، إذا فهذه المشاعر التي تكتنف المرأة ليست نقصا وإنما يجب أن تنضبط وأن تقف عند حد وأن تقاومها المرأة
المسلمة حتى تكون على حد سواء كالأكل والشرب. والنوم والشهوة وغيرها من الأمور المباحة ولكنها يجب أن تكون تحت سيطرتنا وليس مستعبدين لها في هذه الإباحة ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فهذه آية تشمل الزوجات وتشمل غير الزوجات والعلاقات جميعا ولو حرصتم وذلك للطبائع التي خلق الله الناس عليها نساء ورجالا من ناحية ولطبيعة الحياة من كثرة
مشاغلها وشواغلها وكدرها من ناحية أخرى، إذن فقوله تعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" فيه من العموم ما يدخل كل هذه الصور فيها، ثم يأتي ما بعده فيقول ربنا "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" وهي عبارة توضح أن هذا الذي ذكر إنما كان بين الزوجات. لكن أيضا لا تمنعوا
من دخول الصور الأخرى فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة تشمل أيضا ما كان بين أمكم وزوجة أبيكم فإن زوجة أبيكم تنتظر منكم البر وصلة الرحم وإن كان ذلك يعني لا يرضي أمكم في غالب الأحيان فتذروها كالمعلقة وهي واضحة كل الوضوح في حالة ما إذا كان الإنسان قد تزوج امرأتين فإنه لا يجوز له أن يميل إلى إحداهما كل الميل ويترك الأخرى كالمعلقة لا تعرف إذا كانت زوجة ومحبوبة أم أنها بعيدة وقد ابتعد عنها وأعرض عنها وكذلك
الأم مع زوجة الأب فهي تنتظر منك المودة ولا تعرف هل قطعتها أم لم تقطعها فماذا يكون الحال إذا أصلحتم واتقيتم ولم يقل وإن أصلحتم بين الزوجين وإنما قلة القيود تعني كثرة الوجود وإن تصلح وتتق وتكون تقيا مصلحا تنوي وتعتمد على تنفيذ أوامر الله فإن الله كان غفورا رحيما يغفر قصورك وتقصيرك ويوفقك برحمته إلى ما يحب ويرضى ولذلك لو أننا حملنا القرآن الكريم في الساعة لكان كتابا هداية لجميع الصور ونحتاج إلى شيء آخر غيره هدى للمتقين وإلى لقاء آخر نستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله