سورة النساء | حـ 789 | 131 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا في هذه الآية يقرر الله سبحانه وتعالى حقيقة ولكنها من الحقائق التي لا بد أن نؤمن بها وأن نصدقها وأن نراها بأعيننا وأن
تستيقنها قلوبنا هذه الحقيقة تقول ولله ما في السماوات وما في الأرض وكلمة ما إذا أطلقت فإنها تعم كل شيء سواء العقلاء أو الحيوان أو النبات أو الجماد كل شيء إذًا ما تُطلَق لغير العاقل إذا ذكرت معها مَنْ التي هي للعاقل أما لو ذكرت وحدها فهي تشمل العاقل وغير العاقل فكانت كلمة ما هنا عامة يعني إيه
كلمة ما عامة يعني تشمل كل شيء كل شيء طيب نرجع مرة أخرى إلى أول الكلام وللَّه في لام وبعد ذلك لفظ الجلالة لله، ومعناها لـِ الله، إذن أين ذهبت الهمزة لماذا لم نقل لـِ الله ما هو أصل هذه الهمزة همزة ماذا وصل تسقط عندما تتصل بكلمة قبلها فأصبحت لله إذن الهمزة كأنها موجودة أيضًا لأنها تسقط في الوصل ولكنها تُثبَت عندما نحذف
الحرف الذي هو اللام نحذفه هكذا فيصبح الله وإذا وضعنا اللام فيصبح لـِ ولو وقفنا يجب أن نقول هكذا لِ الله فإذا ربطهم مع بعضهم البعض إذن هناك لام هنا، ونحن في التفسير يجب أن نقف عند كل كلمة؟ لا، بل نقف عند كل حرف، فإذا نظرنا لحرف اللام، نرى أن اللام للمِلِك، هذا المصحف لمن؟
يقول مثلًا: هذا المصحف لإبراهيم، يعني ماذا؟ لإبراهيم يعني ملك إبراهيم. إذن اللام تأتي وتكون للملكية، وأحيانا تأتي اللام أيضا لأجل الاختصاص في شيء يسمى الاختصاص عندما يكون لواحد عاقل تصبح اللام للمِلِك، الملك أما عند هذا الكرسي فنقول هذا الكرسي له رجل له رجل فتصبح اللام للمِلِك؟ الكرسي امتلك الرجل قالوا الكرسي لا يمتلك لأن الامتلاك يريد ذمة، يريد أحدًا حكيما عاقلا أما الكرسي فليس
عنده عقل فهو جماد فيسمونه هذه اللام للاختصاص أي رجل مختصة بهذا الكرسي، مثل الإضافة رجل الكرسي فيسمون هذه الإضافة للاختصاص إذن اللام قد تأتي للملك وقد تأتي للاختصاص ما الفرق بين الملك والاختصاص أن الملك لمن له إرادة والاختصاص لمن ليست له إرادة. ولله إذن معناها في ملك الله ربنا يملك ما في السماوات إذن كل شيء في السماء من النجوم والكواكب وإذا لم تكن هناك غازات أو أي شيء حول الكواكب ولم تكن هناك
انفجارات في الشمس أو أي شيء فهذا لله، إذن من الخالق ومن الصانع الله وهذه هي المسألة، الله هو الذي خلق وهو الذي يملك إذن فكل ما في السماوات وكل ما في الأرض هو ملك الله، فماذا يقتضي ذلك؟ قبل أن نكمل الحديث، إذا صدقنا بهذه الحقيقة وهي حقيقة في الواقع يجب علينا أن نصدقها ويجب على جميع البشر أن يصدقوها، هل أنت الذي صنعت هذه السماء؟ كيف وأنت صعدت إلى القمر يا بني آدم بصعوبة، القمر الذي هو قريب منا هذا، الذي هو جزء منا هذا، أنت يا بني آدم
لم تستطع حتى الآن أن تذهب إلى المريخ ولا أن تذهب إلى الزهرة ولا إلى أي شيء، بل أنت بالكاد تستطيع السير في المجموعة الشمسية، وليتك وصلت، فمن الذي صنع المجرة ومن الذي صنع السماء ومن الذي خلق الأرض؟ حسنا أأنت الذي خلقت الماضي أم الحاضر؟ ها أنت تقول أنا صنعت وصنعت صنعت السيارة والطائرة وكذا حسنا أأنت الذي خلقت الماضي؟ لا خلقت الماضي ولا خلقت الحاضر ولا خلقت المستقبل ولا أنت تستطيع أن تفعل هذا؟ من الذي فعل؟ الله ومِلِكُ من هذا؟ الله، وما الذي سيترتب من هذا كله؟ الذي سيترتب هو: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ من
الذي يعلم؟ أنت علمك محدود وبعد أن تصل إلى حقيقة أو حقيقتين أو عشرة تموت فقبل أن تصل بالعلم والمعرفة تجد روحك انتهت، كذلك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لماذا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لأنه هو المالك هو الذي أنشأ هو الذي خلق هو الذي ملك صاحب كل شيء، ولا يظلم ربك أحدا طبعا لماذا لا ينسب إليه الظلم سبحانه؟ لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير، فهل عندما يتصرف ربنا في ملكه
يصبح ظلما؟! كيف هو ملكه فلا يكون ظالمًا حاشاه، لأن هذا خلقه وهذه الأشياء ملكه سبحانه وتعالى، هذا الفارق الذي بين المؤمن وغير المؤمن، غير المؤمن يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، فيقول لك أحدهم لك أنا ليس لي شأن بهذه الحكاية كلها فأنا ليس يهمنيي إلا ما أعيش فيه فقط، أما الله فيفتح مداركنا فيقول لنا "وللَّه ما في السماوات وما في الأرض" وما دامت هذه الحقيقة استقرت في أذهانكم فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو أعلم بكل شيء ألا
يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وهو سبحانه وتعالى يتصرف في كل شيء كما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فعال لما يريد وتبنى عقيدة بنسق مفتوح فالعقيدة التي تبنى على هذا تجدها منفتحة هكذا لأن الحقيقة واضحة أمامها، ومن هنا كان حقا علينا أن نعبد الله حقًا علينا لأننا مخلوقاته ومن هنا كان حقا علينا أن نطيع الله، ومن هنا كان حقا علينا أن نؤمن بالله وإلا نصبح
مغفلين لو لم نفعل ذلك، ونصبح ظالمين لأننا نقول شيئا غير حقيقيًا فنصبح كاذبين. ولذلك بداية الآية "ولله ما في السماوات وما في الأرض" بداية مهمة وعقيدة مهمة ستبين لنا بعد ذلك كيف تسير الآية. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله، كلام منطقي لماذا؟ لأن لله ما في السماوات وما في الأرض، وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.