سورة النساء | حـ 795 | 135 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا"، خاطب المؤمنين فقال لهم: "كونوا قوامين بالقسط". قوموا بالقسط، قوام بالقسط معناه أنه يرعى الحق والعدل، فكن من رعاة العدل. والحق التفِتْ إلى العدل والحق وكن من رجاله ومن أفراده ومن نسائه، هذه واحدة. ولا يكن قيامك في الحياة الدنيا إلا
بالعدل. كونوا قوامين بسبب القسط. هناك "كونوا قوامين بالقسط" أي كونوا ملتفتين إلى القسط، وهنا "كونوا قوامين بسبب القسط" لأن البقاء يأتي بالسببين. "كونوا قوامين بالقسط" الأولى معناها أن... راية العدل اجعلوها أمامكم هكذا وأنتم قائمون بماذا؟ بسبب هذا كونوا قوّامين بالعدل. إياكم أن تلتفتوا إلى غير العدل، ولذلك عبر بقوّام دون قائم. أنواع العدل كثيرة لأن حياتك متعددة الجوانب. تستيقظ فإذا بك في وسط بيتك
وأهلك، فقد أُمرت أن يكون العدل في أهلك بينك وبين زوجتك. احذر أن بينك وبين أولادك إياك إلا تعدل بين الأبناء، ولذلك عندما جاءت امرأة تريد أن تغيظ ضرتها فقالت لزوجها: سأكتب لابني هذا البستان، فكتب، فقالت: أشهد عليه رسول الله. تريد أن تغيظ ضرتها وتقول لها إن النبي هو الذي قال، والنبي كان ذكياً فطناً منيراً صلى الله عليه وسلم، فلما... جاءَ الرجلُ وقالَ له: "مَنْ ابنُ هذا؟" قالَ له:
"هذا ابنُ فلانةَ أمِّ فلانةَ التي هي الجديدةُ". قالَ: "وماذا عن القديمةِ؟" قالَ له: "هل كتبتَ مثلَ هذا لسائرِ ولدِكَ؟" قالَ: "لا يا رسولَ اللهِ". قالَ: "أشهِدْ عليهِ غيري، أتُفضِّلُها عليَّ أنتَ وبراءتُكَ؟ أشهِدْ عليهِ غيري، فإنني لا أشهدُ على جَوْرٍ". أشهدُ عليه، أشهدُ عليه، غير أن الإمام الشافعي أخذ منها أنه جائز، فالنبي لا يأمر بالمنكر. أشهدُ عليه، غير أن هذه اللعبة لا تمارسها معي. أنا أشهد عليه، غير أنني لا أشهد على ظلم. اخرج خارجاً بينك وبين جيرانك، تذهب
إلى العمل بينك وبين زملائك في العمل، تذهب إلى المسجد وبين أهل المسجد لك أقرباء بينك وبينهم قرابة، وهكذا قوّامين بالقسط حتى يصل الأمر إلى ما بينك وبين نفسك، فتكونوا أي لا تظلم نفسك بالمعصية وبالعصيان وبالذهاب وما إلى ذلك، شهداء لله أي شاهد ومشهود لله ولو على أنفسكم. هذا هو الكلام، إذًا الشهادة قد تكون على
النفس، فنحن نقول على أنفسنا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفى. إذًا فالشهادة لا نزور فيها حتى لو كانت على أنفسنا، نقول نعم صحيح له حق، أنا مخطئ في هذا الأمر. هذه هي الشفافية التي أصبحت تُدرس تحت اسم الأخلاق الفعالة أو الأخلاق النشطة. الأخلاق النشطة أو الفعالة اتفق عليها البشر العلمانيون.
والمتدينون بكل أديانهم اتفقوا على ما يسمى بالأخلاق النشطة أو الأخلاق الفعالة، منها الصدق. فعندما يقابلك كاذب، يكون خارجاً عن الإنسانية. هذا ليس بنيانًا، ولا علاقة له بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو أي شيء آخر، بل له علاقة بكونك إنساناً. فكيف تكون كاذباً؟ فلنرجع. للإسلام الذي لنا، قال لنا ماذا؟ هذا يقول لك: أيكذب المؤمن؟ قال: لا. طيب، أيذنب المؤمن؟ نعم، ثم يتوب إن شاء الله. أيسرق المؤمن؟ هذه مصيبة. نعم. أيكذب المؤمن؟ لا. إلى هذا الحد
الصدق من ضمن الأخلاق. هذه معاييرها أحد عشر خُلقًا، التي هي الأخلاق النشطة، تجدها كلها في... الإسلام وكلها مما علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ضمنها الشفافية. آية "كونوا شهداء لله ولو على أنفسكم". هذا هو الشفافية. المسلم لا يعرف كيف يكذب، لا يعرف كيف يلف ويدور. حسناً، هذه سهلة، لكن هناك ما هو أصعب من ذلك. قال: نعم، أو الوالدين، أبي وأمي، الوالدية لا تؤثر، وإلى
هنا جاءت القوانين الوضعية وقالت: "لا، نتأخر قليلاً في هذا الأمر". حسناً، وماذا يفعل في أبيه وفي أمه؟ فلا يقبل شهادتهم له. وهنا يقول له ما أمر الله به، يقول له: حتى لو كان أبوك وأمك، لا يوجد شيء اسمه... تشهد بالباطل والأقربين، فيكون قد دخل في ذلك الزوجة، ودخل الابن والعم والخال، عمود القرابة الذي تتحدث عنه القاعدة منذ البداية. هي قرابة فقط، لكن هذه القرابة حرّمت علينا زيجات وأباحت لنا زيجات أخرى. أما في مسألة الشهادة فلا تؤثر
بشيء، ولا تسمح لك باللف والدوران في الشهادة. الوضع كما ملك هكذا، ما هو المسلم؟ المسلم مالك، نعم هو، في ملك هكذا ويستطيع أن يفعل هكذا. قالوا نعم، من هم؟ المسلمون. إذن يجب أن يكون العقل خصيماً لنفسه، تحاسب نفسك. سيدنا عمر كان يقول هكذا: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". وبعد ذلك عندما أسس لنا هذا: "يا أيها الذين آمنوا لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين لما أسس لنا هكذا، قال ماذا إذن أن يكن غنياً أو فقيراً، الذي هو مَن أن يكن غنياً أو فقيراً الذي
ربنا يتحدث عنه من البداية. فالصورة معمولة للأسرة، فيكون رب الأسرة، فيكون رجع إلينا مرة أخرى بعد المجتمع العام. للوحدة الأساسية أن يكون غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، بمن؟ بالرجل والمرأة. أنت تنتبه، أسرة كلّف الله الرجل بالسعي والنفقة ورعاية الأولاد والمرأة، وكلّف المرأة التي يُخلق منها بإذن الله الحياة، كلّفها بالرعاية والعناية. فإن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى
بهما، هما الاثنان: الرجل والمرأة، فلا تتبع. الهوى أن تعدلوا، فلا تميلوا إلى المرأة لأنه غني، ولا تميلوا عليه لأنه فقير. اجعلوا الحق خارج القضية. إنها عظيمة جداً من الآيات، سنستكملها في الحلقات التالية إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.