سورة النساء | حـ 798 | 137 - 139 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع سورة النساء، يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يرشد الإنسان في أثناء سيره في حياته كيف يتعامل مع الحقائق العليا ومع أوامر الله سبحانه وتعالى ومع أركان الإيمان التي أمرَ اللهُ بها من الإيمانِ باللهِ وملائكتِهِ ورسلِهِ وكتبِهِ واليومِ الآخرِ. سبحانَهُ وتعالى يقولُ إلى أولئكَ الذينَ تحيَّروا
وحيَّروا أنفسَهم ولم يتركوا أنفسَهم للهِ. والإيمانُ باللهِ مسألةٌ سهلةٌ جداً وجميلةٌ للغايةِ، سهلةٌ لأنها موافقةٌ للفطرةِ، فالإنسانُ عندما يؤمنُ باللهِ يجدُ نفسَهُ يشعرُ بأنهُ مرتاحٌ، ولكن عندما يريدُ أن يكفرَ باللهِ. فإنه يعاني معاناة شديدة ويبرر لنفسه هذا الكفر بألف دليل ولكن الفطرة
تناديه من الداخل أن عُد. ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. ساعات الكافر يرى جهنم في حياته الدنيا، فإذا قلنا لهم: لماذا لا تخرج من هذه النار جهنم؟ أنت تعيش في جهنم. يقول وهو لا يؤمن بالله. والله لا أستطيع، والله هنا يعني مثل ماذا؟ قَسَم، يعني أقسم بأني لا أستطيع، واعلم أن الله يحول بين المرء وقلبه، يعني هو أيضاً لا يعرف. يأتي في الطريق إلى هذا الكفر البواح، يدخل الإنسان الجاهل العنيد نفسه في
الحيرة، والله سبحانه وتعالى يحذر من هذه الحالة ومن الآثار التي... تترتب على هذه الحيرة فيقول إن تأكيد الذين آمنوا ثم كفروا ثم للترتيب مع التراخي هم لا يتلاعبون هم فعلاً آمنوا وبعد فترة حيّر نفسه وضل نفسه وأضل نفسه وضلل نفسه فكفر ثم لما دخل الكفر لم يرتح فآمن رجع ثانية لكنه لم
يترك المنهج منهج الحيرة ثم كفروا فيبقى كان كافراً فآمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر، ذاهباً جائياً، ذاهباً جائياً، حيران لماذا؟ لأنه لم يُسلِّم أمره لله، وما الذي يدفعه هنا وهناك؟ الشهوات. شهوة تجره إلى الكفر، وطلب الراحة الذي وجده وهو مؤمن يجره أيضاً من ناحية الشهوة إلى الإيمان مرة ثانية، لكن ليس... مسلم أمره لله، "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم
يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا". سيظل طوال عمره وهو حائر. عرفنا في حياتنا أحدهم، الحقيقة أننا عرفنا كثيرين، لكن الذي خطر في بالي الآن واحد كان مسلماً وبعد ذلك ذهب إلى... الشيوعية سار معها قليلاً فلم يجد تلك اللذة التي كان يجدها في قلبه عندما كان يذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، فأخذ يذهب
إلى صلاة الفجر خاصة، يصلي الفجر وبعد ذلك ربما لا يصلي بقية النهار. هل أنت منتبه؟ يصلي الفجر في المسجد، الله له، قال: لا، هذه قضية وهذه قضية ما قلبي غير قادر، سبحان الله، لا إله إلا الله. ثم بعد ذلك غاب عن صلاة الفجر وترك الصلاة بالكلية، ثم بعد ذلك عاد مرة أخرى، ثم بعد ذلك ذهب ولم يعد، ثم ازداد كفراً بتأليف كتب يسب فيها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
شاهدنا هذا مسلماً ومؤدياً للصلوات حسناً، ثم شيوعي، ثم نصف ثم كافر، ثم لا أعرف ماذا، ثم ازدادوا كفراً، لم يكن الله ليغفر لهم، ومات على هذه الحالة وهو يُعِدُّ أحد الكتب من سلسلة سب النبي والصحابة، ولا ليهديهم سبيلاً، بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً، الله، طيب هنا هو كافر أم منافق؟ هو منافق وكافر لأنه يأتي إليّ في صلاة الفجر ليصلي معي، ماذا سأقول له؟ هو
يصلي، وليس لي تدخل فيما في قلبه، ليس لي تدخل فيه. لا أستطيع أن أقول له: أنت بالأمس كنت شيوعياً، ولا أستطيع أن أقول له حتى: أنت بالأمس كنت مع الجماعة الشيوعيين في الليل. لا لأنه هذا يأتي الفجر، لا يمكن أن يكون غير ذلك، ليس لي علاقة بالأمر. إذا قال أحدهم: "يا الله، أنت ساذج"، أقول له: "نعم، أنا ساذج". ليس لي أن أتدخل في خلق الله. لكنني الآن عندما أتحدث بعد ميلاده ورحيله، وأتأمل هكذا، في النهاية أجد الآية - سبحان الله - العبرة هي العبرة سبحان الله، يعني إذا كانت هذه الأمور
موجودة ولها أسماء معروفة وموجودة، فربنا سماهم منافقين لهذا السبب، لأنهم منا ويتكلمون بلساننا ويصلون صلواتنا ويلبسون مثلنا تماماً، أي ليس هناك شيء يميزهم، فقال ماذا؟ بشر. هو أول ما يسمع كلمة "بشر" يقول: نعم، هذا يعني أن ربنا يغفر ولن يفعل فيه شيئاً ولن يعطيني شيئاً. كذلك بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً. هذا عكس مراده. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. بدلاً من أن يتقرب إلى المؤمنين الذين فتح الله عليهم في الشرق والغرب وعلّمهم الحقائق الثابتة وجعلهم
من المقربين إليه وجعل قلوبهم ترى الحقيقة واضحة باطمئنان. بذكر الله تطمئن القلوب. ذهبوا إلى الأوهام وسموها أسماءً لطيفة خفيفة، يُضل بعضهم بها بعضاً، ومَلّوا من أنفسهم قبل أن يملوا من المؤمنين. تجدهم يا أخي يكرهون بعضهم بشكل غريب جداً، وتجد أنه لا يوجد عفو ولا صفح ولا شيء من هذا القبيل. تجد ألسنتهم أطول منهم وهم أضعف من سبحان الله، تتأمل وتقول: يا صبور، يا حليم، كيف صبر عليهم؟ لأنه هو الذي خلقهم. ولا بُدَّ عليك أنت أيها
المؤمن من الرضا. الذين يتخذون الكافرين أولياء، من هو الولي؟ الولي هو القريب. أول مطر يأتي عند العرب يسمونه الوسمي، أول مطر، أول دفعة مطر هكذا ومطر نازل. يفرحون به لأنه جعل من الماء كل شيء حي، لأن الماء ينبت الزرع وينقذ الإنسان والحيوان، كل شيء يحتاج إلى الماء، فيسمونه الوسمي. وانتبه، لاحظ كلمة "وسمي" وكلمة "رجل وسيم" أي جميل، يعني أول شيء هو الجمال. والمطر الذي يليه يسمى
"الولي"، وذلك لأن أول الموسم يأتي بمطر ثم يأتي بغيث آخر، الغيث الآخر هذا، ما اسمه؟ إنه الولي. فالولي قريب من الوسمي، وبه سُمي الإنسان الذي فيه قرب والذي فيه حميمية، فهو أصبح قريباً من أيدي الكافرين، لا يتأخر عنهم وهو قريب لهم وفي متناول أيديهم. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يكون بعده عمن؟ عن المؤمنين. أيبتغون
عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً. ما هم ابتغوا قبل ذلك العزة عند الاتحاد السوفيتي. حدث شيء لم يكن أي شخص عاقل يفكر فيه ولا يستطيع تصوره. انهار الاتحاد السوفيتي. ماذا يعني انهيار الاتحاد السوفيتي؟ ما هذا الكلام؟ هل هناك شيء بهذا الشكل؟ نعم يوجد، وقد انهار وتفكك. ماذا إذاً هكذا، فإن العزة لله جميعاً، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.