سورة النساء | حـ 804 | 144 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو ينصح المؤمنين ويوجههم التوجيهات الأساسية التي بها سعادة الدارين الدنيا والآخرة "يا أيها الذين آمنوا" وما دام الخطاب للمؤمنين فإنه أمر يختص بقضية التوحيد وبقضية التكليف بقضية الوحي بقضية الرسالة بقضية الدعوة التي أمرنا أن نبلغها للعالمين، يا أيها الذين آمنوا فلنلتفت إلى أن ما بعد ذلك من أمر أو من نهي إنما يتعلق
بهذه القضية الكبرى قضية التوحيد، قد يتعارض ذلك مع بعض مصالح الناس وقد يتعارض ذلك مع بعض مفاهيم الناس. وقد يتعارض ذلك مع بعض رغبات الناس، لكنه حينئذ وعندما عنون الخطاب "يا أيها الذين آمنوا" فإنه بذلك يتعلق بهذه القضية، قضية التوحيد، قضية الوحي والتكليف، قضية التبليغ والدعوة، قضية اليوم الآخر في الحساب والعقاب. هذا الإيمان "يا أيها الذين آمنوا" والإيمان له أركان ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يا أيها
الذين آمنوا وعلى الفور هكذا أصبح أول ما تسمع هذه الكلمة تعرف أن ما يأتي له علاقة من قريب أو من بعيد مباشرة أو بطريق غير مباشر بقضية الإيمان، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين إذا هناك قضية أيضا في المقابلة قضية الإيمان تسمى بالكفر لأن الكفر هو عدم الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف لنا الإيمان وصفه لنا وصوره كشجرة لها فروع وقال إن للإيمان
بضعا وسبعين شعبة أعلاها أعلى الشجرة لا إله إلا الله وأدناها في الجذور إماطة الأذى عن طريق الناس والحياء شعبة من شعب الإيمان صورها في صورة شجرة لها أعلى ولها أدنى ولها فروع أعلاها لا إله إلا الله القضية الكبرى وأدناها سلوك ينبئ عن فعل العبد الرباني أنه يزيل الأذى من طريق الناس والذي يكون حريصا على إزالة الأذى من طريق الناس فإنه لا يضع الأذى في طريق الناس ولذلك سمى
النبي صلى الله عليه وسلم من يضع الأذى في طريق الناس وفي مكان مجالسهم وفي مكان ظلهم بالشجر اتقوا الملاعن الثلاثة ملاعن لأن الناس تلعن من يفعل ذلك الذي هو وضع الأذى التي تمنعك من الجلوس تحت الشجرة أو من الوضوء من الماء الجاري أو من الجلوس في الطريق بطريقة لا تسد على الناس وهذه هي اللعنات الثلاث، الإيمان فيه إماطة الأذى عن طريق الناس فبالضرورة لا تؤذي الناس، هذا كلام واضح والحياء شعبة من شعب الإيمان وفي الحياء وهو خلق كريم
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مما ترك الأنبياء إذا لم تستح فاصنع ما شئت، الحياء هو الذي يمنع الإنسان من الفاحشة، والحياء هو الذي يدعو الإنسان إلى العفاف، فيستحي، ولكن إذا لم يستح فإنه يفجر، وضد الحياء الفجور وعدم المبالاة، فالشجرة هي شجرة الإيمان، فما الشجرة المقابلة لها؟ الشجرة هي شجرة الإيمان وفروعها الطاعة، فالذي يقابل الإيمان هو الكفر، لا إله إلا الله، فهذا لا يؤمن. بالله أو لا يؤمن بالملائكة أو بالرسل أو بالكتب
أو باليوم الآخر أو بأي ركن من أركان الإيمان وعندما يذهب الركن يذهب الشيء فهذا كفر فجاءت هذه العبارة من هذا التصور الجامع أن الإيمان شجرة فروعها الطاعة ولذلك فكل طاعة هي من الإيمان هذا هو الكلام وكل معصية فهي من شعب الكفر يعني لو ارتكبت معصية أكون كافرا، لا، ما أنت لم تقف في الشجرة نفسها، بل أنت أخذت فقط قطعة فرع منها وهي المعصية التي فعلتها، فقط فرع قذر، فرع سيء، فرع يحاول الشرع أن
يزهدك فيه وأن يطهرك منه، ويقول لك ما معنى الذي أنت فيه يدك هذا أمر سيء والطاعة تقول لك هذا أمر جميل جدا ها يعني يدفعك إلى الطاعات ويمنعك من المعاصي ومن أجل ذلك جعلها من شعب الكفر هذه القضية لو فهمت تفهم هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين إذن جاء بماذا الكفر والإيمان في هنا إزالة الأذى عن طريق الناس، فماذا يوجد هناك؟ إيقاع الأذى بالناس. يوجد هنا الحياء ويوجد هنا الفجور، يوجد هنا التصديق ويوجد
هنا التكذيب، يوجد هنا حفظ النفس والمال والعرض والدين والنسل وكرامة الإنسان والطهارة والعبادة، ويوجد هنا عكس ذلك كله. هذا هو الكفر الذي يحاربونه، كفر لا يؤمن بالله. ويدمر الأرض وأهلها ولا يزكي النفس بل يدعو إلى النفس الأمارة بالسوء في بعض الأحيان نجد أناسا يصفون الواقع وصفا صحيحا ثم بعد ذلك لا
يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر بل يريدون أن يكرسوا الشر فرويد يصف الإنسان بأن الجنس يحركه وكل شيء وراءه الجنس لو تأملنا لعلنا نوافق فرويد مقبول ولكن نقول له ثم ماذا قال انتهى فيبقى اترك نفسك لنفسك هكذا أشبع غرائزك نحن نقول له شيئا آخر تماما غير ذلك والنفس كالطفل إن تهمله نشأ على حب الرضاعة وإن تفطمه ينفطم أنت
تقول يا فرويد إن هناك نفسا أمارة بالسوء وعلى ذلك فلا بد عليها أن تستمر في سوئها نحن نقول لا في نفس أمارة بالسوء متفقون معك لكن في نفس لوامة وفي نفس ملهمة وفي نفس مطمئنة وفي نفس راضية وفي نفس مرضية وفي نفس كاملة ما أدراك يا فريد أنها نفس واحدة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف لا أنت بوصفك كل وصفك صحيح ولكن نصيحتك أبعدها عنك هباء لأن الإنسان لا يصل بما تقوله هذا إلا إلى الطريق المسدود لأنه مخالف لمن خلق سبحانه
وتعالى يا فريد العفاف واجب والزنا حرام يا فريد عندما أقاوم نفسي من شهوتي أنا لم أنكر الشهوة هذا ربنا يقول زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب فأنا لا أنكر أن لدي شهوة ولكن لا أستسلم للشهوة فهي موجودة نعم وأنا أيضا أقاومها ولا أسير وراءها هو يقول لا اتركها واسر وراءها فما أنا بهذا الشكل أبقى عاصيت ربنا وأقعد أنا قلق بهذا الشكل فهو يقول لك
فلنترك ربنا وبعد ذلك كيف نعيش من غير وهنا يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين لا تسيروا في هذا الطريق المعوج لا تسيروا وراء الذين لا يرضون أن يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ولا بالقضاء والقدر ولا بالكتب ولا بالتكليف ولا بالرسل ولا بالوحي أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا من خراب الإنسان وخراب العمران وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته