سورة النساء | حـ 829 | 171 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نلتمس فيه الهداية والبرهان ومعالم الطريق إليه سبحانه. يقول في سورة النساء: "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم" وهذه العبارة مبدؤنا ونحن نستهدي بالقرآن ونقف عند كل كلمة. يوجد أن كلمة أهل الكتاب وإن كان في أذهاننا أنها تنصرف إلى أهل الكتاب من أتباع موسى وأهل الكتاب
من أتباع عيسى اليهود والنصارى إلا أننا ونحن نخاطب أنفسنا أولا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحاول أن نجعل الكتاب هاديا لنا في طريقنا فإننا أيضا من أهل الكتاب لأننا معنا القرآن والقرآن كتاب وربنا سبحانه وتعالى عندما يمدح أهل الكتاب على صفة معينة فإنما يأمرنا أن نتخلق بها، وعندما يلوم أهل الكتاب على تصرف معين فإنما كأنه يحذرنا من أن نقع فيه، وعندما يذم أهل الكتاب على
انحراف قد وقعوا فيه فإنما يحذرنا أن نقع في مثله. ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينهى عن التشبه بأهل الكتاب أي في أي شيء نسب إليهم من لوم أو من انحراف، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب كما ورد في الحديث الشريف، فكيف يحب أن يوافقهم وكيف يأمرنا أن نخالفهم؟ ذلك أنه يأمرنا أن نوافقهم في هذا الهدي الرباني الذي علمه الله للأنبياء موسى وعيسى والإيمان بهما وبالأنبياء جميعا ركن وجزء
لا يتجزأ من دين المسلمين فلا يستطيع مسلم أبدا حال إسلامه أن ينكر موسى أو أن ينكر عيسى أو أن ينكر أي نبي من الأنبياء بل إننا نؤمن بهم جميعا على حد سواء ونقبل الهداية التي أتت منهم من قبل الله سبحانه وتعالى قل يا أهل الكتاب لا يتبادر إلى أذهاننا أول ما يتبادر اليهود والنصارى بل إنه يتبادر أيضا معهما ومع أصحاب كل كتاب يتبادر حالنا أترى القذاة في عين أخيك وتدع جذع النخلة في عينك هذا ليس عدلا ولذلك قال ابدأ بنفسك ثم بمن تعول حتى
تكون مثالا صالحا، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا ويقول لتتبعن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا من يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ أتعني اليهود والنصارى؟ أتقصد اليهود والنصارى؟ قال فمن غيرهم؟ غيرهم يعني من السابقين الباقين الذين قد نشأنا في أوساطهم منذ عهد الرسالة وإلى يومنا هذا فمما يحذرنا من أن ننحرف تلك الانحرافات التي نبه الله أنهم قد انحرفوا فيها فهم بعضهم
يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض وربنا حذرنا من هذا وبعضهم ينحرف فيخفي كلام الله وبعضهم يلوي ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب وبعضهم يفتري على الله الكذب وهو يعلم وبعضهم وهكذا لكن الله سبحانه وتعالى يعلمنا العدل ويقول ليسوا سواء ليس كلهم كذلك نعم هذا يعلمني العدل ليسوا سواء ستجد هكذا وستجد هكذا وستجد هكذا ولذلك فهذا الكلام ليس موجها لطائفة دون طائفة وإنما يهدي الله به العالمين فيبقى
إذن نفهم من يا أهل الكتاب نفهم منها أمرين أنها تشملنا هذه واحدة وأن ذلك إنما هو خطاب رب العالمين لعباده أجمعين فعندما يلوم من آمن به واتبع أنبياءه وصار تابعا لكتبه سبحانه وتعالى وينهاهم ألا يغلوا في دينهم يكون الغلو في الدين مذموما ويكون كل بشر معه الحجة في أن يواجه المؤمنين جميعا بأنه لا تغلوا في دينكم هكذا أمركم ربكم ولله الحجة البالغة ابدؤوا بأنفسكم إذا فلا
بد علي أن أراجع نفسي وإلا أغالي في ديني وهنا يعلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق المصطفى الكريم فيقول إن هذا الدين متين فتأمل فيه برفق ولن يشد الدين أحد فأين الفاعل؟ أحد هو الفاعل والمفعول به الدين، فيكون الذي سيشد من؟ أحد، واحد من الناس، يعني هذا الواحد سيشد الدين، يريد أن يأخذه بعنف، يريد أن يأخذه بشدة، يريد أن يأخذه بقوة، ولكن هذه القوة فيها عجلة
وفيها التفات إلى الجزئيات وينشغل الكليات والجزئيات هذه موجودة أم غير موجودة، صحيحة أم خاطئة، ما هي صحيحة ولكن الانشغال بها هو الخطأ. واقف يصلي، قم ضع يده على يده، أين وضع اليد على اليد هذا من هيئات الصلاة، ضعها ما بين صدره أم تحت قليلا أم على السرة أم تحت السرة، يضع يده أم يده على ساعده ويبقى شاغلا نفسه أين يضعها، ما رأيك؟ يظل يلتفت لذلك حتى يضيع منه خشوع الصلاة، فنحن الصلاة
أهم شيء فيها ما هو؟ الخشوع، ولماذا؟ حتى تأتي ثمارها وما ثمرة الصلاة أن تكون عبدا ربانيا في مجتمعك وناسك وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة، فنقول الحسنى الأول قبل إقامة الصلاة لكي يتقبلها الله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فإذا انشغلنا عن الخشوع بالظاهر وهو وارد أن سيدنا رسول الله كان يضع يده اليمنى صحيح على يده اليسرى ولما رأى أحدهم وضع اليسرى على اليمنى فعدل يده وضع اليمنى على اليسرى إنما
هذا ركن أبدا سنة طيب هيئة السنة هذه يعني تكون كذلك أقل من الهيئة لماذا قال لك السنة لو تركتها فعليك سجود سهو التي هي القنوت عند الشافعية في الفجر والتحيات الوسطى لو تركت السنة فعليك سجود سهو لا ترجع إليها لكن يجب عليك سجود السهو، أما إذا تركت الهيئة فقال ما عليك شيء مطلقا أبدا، ولذلك من الغلو في الدين التشدد في الجزئيات، الصحابة الكرام كانوا يتعاملون مع الأمر ببساطة وكانوا لا يتوقفون كثيرا
عند هذا، حتى لو ترك الناس هيئة من الهيئات الموروثة عن سيد الخلق وصحابته الكرام، كان قوم إنما الاعتراض بماذا بحسبه يعني على قدره ولكن عندما تجعل من الأمر مفرطا فهذا ليس تاما وعندما تستهين بالحب تماما أيضا فهذا ليس تاما فهو غلو في الناحية الأخرى فيكون لا إفراط ولا تفريط كان الصحابة الكرام يضعون أرجلهم في اتجاه القبلة هكذا فعندما يضعون أرجلهم في اتجاه القبلة تفتح ما بين رجليها قدر كتفها قوم يستقيم الصف والرجل تبقى بجانب الرجل بشكل صحيح فالصحابة والتابعون تركوا هذه المسألة فالصحابي نظر هكذا وحزن
قال يا أخي إننا كنا نؤمن بالرجل إلى جانب الرجل تماما وانتهى الأمر لأنه فهم أننا لا نغلو في ديننا فتجد أخانا الآن لا يفعلها لقضية واضع رجله على رجلي، تؤلمني فأحركها قليلا هكذا فيضعها مرة أخرى حتى تنفتح رجله هكذا هو ويذهب عنه. ادخلوا في الصلاة يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، وإلى لقاء في حلقة أخرى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله