سورة النساء | حـ 831 | 171 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 831 | 171 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق. والغلو كما ذكرنا يتكون من عناصر ذكرنا منها التشدد وذكرنا منها العنف وذكرنا منها الزيادة على مثال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كله من الغلو وأصل هذه المادة من غلا استعملت أيضا في الماء إذا ارتفعت حرارته واشتد
فقيل غلا الماء ولكن مصدرها الغليان أما هذا في الشدة والعنف والزيادة والخروج عن النطاق المستقيم فمصدرها الغلو وكلاهما بفعل واحد هو غلا يغلو غلوا وغليانا والعرب لها توافق في مفاهيم الألفاظ إذا كانت من جذر واحد حتى لو اختلفت المصادر لاختلاف المعاني الدقيقة المخصوصة كهذه اللفظة فالغلو فيه شيء من الشدة والفوران فيه
شيء من الزيادة فإنه عندما يغلو الماء يرتفع وفيه شيء من العنف فالماء المغلي يعني يسبب الجروح إذا أحضرت ماء مغليا وسكبته على الجلد يحدث حرق فورا من الماء المغلي، إذن فالغلو مع الشدة والعنف والزيادة فيه شيء من الإيذاء، الغلو فيه إيذاء، بالنفس التي أخطأت وإيذاء بالآخرين من حولك، فعندما تدخل
في دائرة الغلو فإنك تؤذي نفسك ثم تؤذي غيرك ثم تؤذي الرسالة التي أرسلها الله السهلة الحنيفية السمحة الجميلة للناس فتعطي صورة سيئة لما تحمله وسبب هذا أنك قد تمسكت تمسكا شديدا بكل التفاصيل فأنت أقرب الناس بذلك إلى أن تكون المثال لما أنت متمسك به في كل شيء فعندما تكون مسلما غاليا في
دينك تشوه الإسلام والناس ينظرون إليك هذا أنت تصلي وتصوم وتحج وتذكر وتتصدق وتعمل كل شيء وتتمسك بالوحدانية كثيرا فأنت المسلم، فإذا بك تغلو هذا غير موفق في حياتك هذا إيذاء للنفس وإذا بك تغلو هذا تؤذي الآخرين والإسلام لم يقل أن تؤذي الآخرين فالغلو يضر هذه الجهات النفس وغيرك قضيتك ومن هنا نهى الله ورسوله عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وفسرها
العلماء أن الضرر هو إيقاع الضرر بالنفس والضرار هو إيقاع الضرر بالغير والنبي نهى ونفى أن يعتمد شرعا أن تؤذي نفسك وأن تؤذي غيرك إيذاؤك للغير حفاظا على حقوق الغير فتحافظ على حقك وإيذاؤك في النفس يا أخي، طيب أنا سأؤذي نفسي أنت ما شأنك؟ وهنا مشكلة كبيرة بين الحضارة والمفهوم الإسلامي، الحضارة الإسلامية ومفهومها، وبين الحضارة الغربية ومفهومها من ناحية مساحة
الحرية. قال لك ماذا يعني ألا تؤذي نفسك؟ أنت حر، كل واحد يحقق مصلحته. عندنا صارت الحقوق واجبات، فأحيانا هم يقولون لنا، يقولون أيها الجماعة أنتم لديكم واجبات الصلاة واجبة والصيام واجب والذكر واجب كل شيء واجب هكذا لا يوجد حق ألستم منتبهين إلى الحقوق قلنا لهم دعونا نفكر نعم صحيح أين حقوقنا حق الحياة حق الحياة من حقي أن أحيا حق الحياة لكن هذا حق الحياة هذا لدينا واجب أيضا أليس نحن نتحدث عن الحقوق أم ماذا؟ إذا تأملنا نجد أن حق الحياة ليس مجرد حق له بل
ارتقى الله به إلى مرتبة الواجب وحرم علينا الانتحار، إذن حق الحياة هذا معناه يجب أن أكون في أمان علي فما هو حق الأمن هذا الذي سيؤدي بك إلى أن تحافظ على وما لك هذا واجب ولذلك حرم السرقة واغتصاب الأراضي وشهادة الزور وأمرنا بالعدل وأمرنا بالإنصاف ما هذا هذه حقوق كلها هذه إن أنا آخذ حقي في العدالة آخذ حقي كبني آدم قال لا هذا واجب عليك تأخذه
ليس فقط حقا هذا حق فاستمر يزيد في التأكيد حتى أصبح واجب عليك فهناك أصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا، أتعلم ماذا تفعل؟ هذه النصيحة في الدين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا أصبحت النصيحة واجبك، هذه النصيحة هي حقك لأنك ترى حالا مائلا فتقومه، أصبح هذا واجبا عليك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تأخذ حقك في الحياة وفي الحرية وفي الأمن وفي الغذاء وما إلى ذلك، والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائع، الله لا يؤمن هكذا هو يوصلها إلى الإيمان هكذا يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم ما هو إلا حق
الفقير أنصفت أهل الفقر من أهل يقول شوقي هكذا في أن سيدنا رسول الله أنصف أهل الفقر من أهل الغنى، الفقير وهو ذاهب ليأخذ الزكاة أخذ حقه، فماذا يعني هذا بالنسبة إليه؟ واجب يعني، فلنفترض أنك أخفيت عنه الزكاة فهذا حرام، تركت ركنا من أركان الدين، ولذلك سيدنا أبو بكر لما منعوه الزكاة حشد الجيوش وقال حضر الجيوش لماذا؟ قال لأن هذا واجب. هل هو حق أم واجب؟ حق ارتقى إلى مرتبة الواجب، فيصبح إذن هذا هو الكلام الصحيح في الحقوق والواجبات. وتمسك بأي شيء في
الشريعة من أولها إلى آخرها تجد الحقوق فيها صارت واجبات، فحرم علينا الانتحار وحرم علينا أن نؤذي أنفسنا وحرم علينا غيرنا وحرم علينا أن نؤذي القضية وحرم علينا كل هذا كلام طويل عريض تقعد تشرح فيه الشريعة كلها فائز بها كلها حقوق ارتقت إلى حد الواجبات حتى يكون الإنسان إنسانا وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله