سورة النساء | حـ 837 | 172 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يقرر حقيقة تضع البشر في مصاف البشر وفي مستواهم والإله إله "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله" أبدا، فهذه عبودية لله شرف. والمسيح سيد الشرفاء وكل ما ورد عن سيدنا عيسى كل ما ورد عنه يدل على أنه كان عبدا مخلصا
لربه مما ورد أن الشيطان أراد أن يعارض فأتى إليه وهو على قمة جبل وقال له ألست روح الله وكلمته ألق بنفسك من هذا الشاهق وقل يا ربنا النجاة فتنبه السيد المسيح عليه السلام قال اذهب يا لعين، عرف أنه لعين. هذا الكلام لا يأتي إلا من شخص ليس ظاهره القدرة والتوكل على الله وباطنه. قال له اذهب يا لعين، ما كان لي أن أمتحن الله ولكن الله يمتحنني. وكان يدعو
ويقول اللهم لا تدخلني في تجربة، في امتحان الذي نحن يا رب نجنا وسلم، لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموه فاثبتوا واصبروا، ولكن لا تقولوا يا رب ائتني بالجهاد وأنا سأريك ماذا سأفعل، لا بل نحن نقول يا رب استر، أما إذا جاء الجهاد فيجب أن نثبت ولا نولي الأدبار ولا نفر، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم وهو يقول اللهم أنزل علي الصبر فقال سألت البلاء، أنزل علي الصبر كيف وأنت تقول يا رب أنا لن أقدر أن أصبر
أنا ضعيف، أنزل علي السكينة. إذا نزل البلاء تقول أنزل علي الصبر، لكن لا تطلب الصبر. شيء ليس حلوا في ذاته حتى تطلبه. إذا تأملنا في كل ما ورد ولقد أكثر الإمام الغزالي في كتابه الإحياء من الاستدلال بما ورد عن سيدنا عيسى عليه السلام من حكمة وموعظة وكلام طيب في الإحياء، فلو تتبعت ما نسبه الغزالي رحمه الله تعالى إلى سيدنا عيسى لخرجت بكراسة كبيرة فيها جميع أقوال سيدنا عيسى الطيبة هذه إنه من أعلى أمثلة
العبادة والعابدين في تاريخ البشرية لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله هذه هي الآية تستطيع أن تراجع الأحياء أربعة مجلدات كبيرة فستجد فعلا كل ما ورد عن سيدنا عيسى يدل على خشيته لله ويدل على حبه للعبادة وللذكر ويدل على شفافيته وإخلاصه ويدل على أنه لم يتكبر ولم يغتر بنفسه بالرغم من أن المعجزات كانت تجري على يديه باستمرار، أي تحدث معجزة تلو معجزة تلو معجزة، وكلما جرت معجزة
على يديه عليه السلام كلما ازداد لله تواضعا، والصبر الذي صبره والبلاء الذي ابتلاه به منذ صغره وهو في كنف الله، لن يستنكف المسيح أن عبد الله وهو يقول هكذا في الأناجيل أبي الذي في السماء أبوكم الذي في السماء أبانا الذي في السماء وهكذا يعبد ربه بإخلاص ولا الملائكة المقربون يستنكفون عن عبادته سبحانه بل يستلذون بها لا
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون أبدا ما يوجد عصيان الساجد ساجد والراكع راكع والمسبح وما من عصيان لا يستنكف أحدهم وهم في غاية العلو والرقي أن يكونوا عبيدا لله يعني ما المشكلة أن يكون سيدنا عيسى عليه السلام عبدا لله أم ماذا ما النقص الذي يناله عندما نقول أنه عبد الله ورسوله، هذا شرف وليس فيه نقص. حسنا ومن يستنكف عن عبادته العكس إذن. سأكون
أنا شخصا لا أستطيع أبدا أن أقول سأكون أنا سيدنا عيسى، سيدنا عيسى ماذا؟ سيدنا عيسى هذا في المقام الأعلى، لا أستطيع أن نقول سأكون أنا شخصا. انظر أدب القرآن "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله" صرح باسمه في حالة النفي وفي حالة طيبة، والذي يستنكف لم يقل لا هذا المسيح لا يمكن أن يستنكف، هذا شرف وفي مقابله قذارة، الذي يستنكف هذا يستنكف هذا يصبح هذا يصبح مجرما، شخص استنكف عن عبادة الله واستنكف أن ينتسب عبدا لله هذا يصبح مجرما، انظر ينبهنا
لماذا لكي لا تقع في هذا المزلق يا بشر، هذا سيدنا عيسى له أن يدعيه لنفسه وهو محقق فيه أنه عبد الله وهو يفتخر به يقول يا إخواننا أنا عبد الله ورسوله شرفا لكم ولكن إذا أحد جاء يستنكف ويقول أنا لست عبد الله انتهى ابتدأنا من الكلمة الأولى هذه سواء بعد ذلك ادعى الألوهية أم ادعى الحلول والاتحاد أم ادعى أي شيء انتهى هكذا سقط من نظرنا ودخل وخرج من الشرف ودخل في القذارة ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه
جميعا فعندما نأتي في يوم الإشهاد سنرى وسنرى الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والصديقين أنهم في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله وسنرى أن الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين يغبطهم الناس يقولون يا ليتنا كنا مثلهم وسنرى أقواما ليسوا بأنبياء وليسوا بشهداء وليسوا بصديقين يغبطهم الناس وهم على
منابر من نور يوم القيامة وهم المتحابون في الله، فيكون لديك فرصة أن تحب أخاك حبا حقيقيا في الله، حبا صافيا، حبا ثابتا، والحب الصافي والحب الثابت هذا الذي سيجعلك مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، كيف يكون شكله أن لا تتأثر ما دام محبته في الله ولا تتأثر، فلنفترض أنه ارتكب معصية فاستر عليه وادع له بإخلاص بقلبك هكذا بالحرقة من داخل قلبك واذهب وانصحه في الخفاء هكذا وكأنك أنت الذي ارتكبت هذه المعصية واحمل همه، المتحابون في
الله على منابر من نور يوم القيامة وإلى لقاء أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته