سورة النساء | حـ 840 | 175 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء يقول ربنا سبحانه وتعالى: "فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما". بعد أن وجه الكلام إلى العالمين، إلى الناس أجمعين. وأن هذا القرآن إنما هو برهان نزل إليهم من عند رب العالمين، وأن هذا القرآن إنما هو نور مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، وأن
هذا القرآن وهو موجه إلى العالمين وقد جعل الله العالمين أمة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن من هؤلاء من سوف يؤمن به ومنهم من سوف يكفر به، منهم من سوف يلتفت إليه ومنهم من سوف يجعله خلف ظهره ويجعله منه ظهريا. فأما الذين آمنوا بالله لا يمكن أن يفتح القرآن مغاليقه لك إلا بالإيمان بالله لأنه هدى للمتقين، فهو أرسله لكنه
لن يفتح مغاليقه إلا بشروط وهي أولا أن تؤمن بالله فأما الذين آمنوا بالله ثانيا واعتصموا به، فإذًا تدخل إلى القرآن وأنت متوكل على الله داعيا الله أن يفتح عليك، لا تريد أن تلعب مع القرآن، فالذي يريد أن يلعب مع القرآن يغلق القرآن نفسه أمامه ويجعله لا يفهم منه شيئا أبدا فمرة
يفهم أنه كتاب عنف ومن عمى قلبه لم يلحظ بسم الله الرحمن الرحيم ولم ينتبه إلى أن بسم الله الرحمن الرحيم موجودة في كل سورة وأنها أول آية وأنها أول الفاتحة لم ينتبه أغلق عليه نهائيا وإذا أراد أن يتكلم عن القتال مثلا فقال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ويضطر أن يتوقف لأن بقية الآية ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وبعد ذلك من أولها إذن وقاتلوا
ليس في سبيل الطغيان ولا العدوان ولا الدنيا في سبيل الله رقم اثنين الذين يقاتلونكم رقم ثلاثة حتى الذين يقاتلونا هؤلاء لن نعتدي عليهم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين يعني معنى ذلك لو قرأتها يا أخانا قراءة تريد منها الهداية لجاءتك، تريد منها العنف فإنك تختزل الكلام اختزالا والدين اختزالا، هذا الذي يحدث. إذا دخلت تلعب مع القرآن وتتصيد ما تراه في ذهنك من مخالفات أو من تناقضات أو من غير ذلك،
فسيغلق عليك. إذا دخلت تطلب منه الهداية فلا بد أن تكون من المتقين وهناك في سورة الإسراء مثلا فنجد هذا المعنى، سورة الإسراء سورة عظيمة جدا ونجد هذا المعنى أن ربنا سبحانه وتعالى ذكره بطريقة يقول وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، انظر ماذا يقول لك للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا،
فكيف كتاب واحد هدى للمؤمنين شفاء للمؤمنين رحمة للمؤمنين حسنا، إن الظالم الذي يدخل بظلم وطغيان معه لا يزيده إلا خسارة، فإذًا هذا كتاب مبين من عند رب العالمين ومن بيانه هذه الخاصية، فأما الذين آمنوا أولا واعتصموا به، اعتصموا به متكونة من التوكل على الله ومن الدعاء لله وطلب الفتح ومن قراءة القرآن باعتباره هدى وطلب الهداية من القرآن يا رب افتح علي شيئا جديدا ويا رب اهدني
به واعتصموا به وهذه رقم اثنين فسيدخلهم في رحمة منه، إيه الرحمة؟ إنه يستجيب لهم ويفتح عليهم ويهديهم بالقرآن وهذه هي الرحمة يشعر حينئذ الإنسان بالراحة ويشعر بالسعادة ويشعر بأنه في طريق الله سبحانه وتعالى ولذلك يتشبث ويتمسك بإيمانه ولكن الله سبحانه وتعالى لا يكتفي بذلك بل يزيده وفضل رحمة منه وفضل الفضل الذي هو الزيادة من كان له فضل مال فليتصدق به على من لا مال
له، فضل زيادة يعني فضل الله زيادة بحبوحة، فليس سيهديك فقط ولا سيفتح عليك فقط ولا سيستجيب دعاؤك فقط، هذه هي رحمة كذلك، الرحمة هي هذه، بل سيعطيك كذلك زيادة ويهديه إليه صراطا مستقيما وهناك وعد بقى بأن يختم له بالإيمان يهديهم صراطا مستقيما إليه ولذلك الإيمان يزيد قال لهم أيزيدون أم ينقصون قال بل يزيدون لهرقل قال هكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب كل يوم تجد في زيادة الحالة التي كان عليها الصحابة الكرام كل يوم في زيادة لماذا
قال لهم كيف تكفرون وأنا فيكم عليه الصلاة والسلام كيف ستكفرون يعني فكانت قلوبهم مطمئنة عليها السكينة يُضربون ضربًا من المشركين الذين قاتلوهم ثمانين مرة ثمانين غزوة في عشر سنوات العشر سنوات فيها كم شهرا فيها مائة وعشرون شهرا لما يقاتلون فيها ثمانين مرة ثمانين غزوة يصبح يعني كل كم كل شهر ونصف مرة تخيل ويزدادون يا أخي ولا ينقصون، فكيف هذا الأمر الذي سيجنن الناس؟ ضربنا اليهود والمشركون أيام النبي والروم والفرس استمروا، وبعد ذلك
التتار والمغول وهؤلاء الصليبيون، وبعد ذلك الاستعمار الحديث، وبعد ذلك البوسنة والهرسك، وقبل ذلك كان الأندلس، فنحن أمة نتعرض للضرب باستمرار منذ ألف وخمسمائة سنة ألف وأربعمائة سنة وأكثر نتعرض للضرب ونحن رغم ذلك نزيد، أليس هذا بالأمر الذي يغيظ؟ بلى إنها تغيظ، ولكن تغيظ من؟ الكافرين، هم أحرار فيقولوا لكم: ما أنتم بالضبط؟ نحن سئمنا منكم، نحن تعبنا منكم. يقول: الحمد لله الذي هدانا إلى صراطه المستقيم. أقول لكم ما السبب؟ السبب أن هؤلاء المسلمين شعروا بوجودهم وشعروا بإنسانيهم وشعروا بأن قلوبهم معلقة
بربها من أي شيء هذا من القرآن من الصلاة من الذكر فهل عندكم قوم في العالم يصلون الصلوات الخمس ما هي حاجة مدهشة أيضا رجال ونساء وأطفال وشيوخ فكل واحد منا يصلي كل الصلوات الخمس كيف يعني أليس رجال الدين فقط يصلون لا ألستم تصلون في يوم واحد في الأسبوع، لا بل نحن نصلي خمس صلوات في اليوم، سبع عشرة ركعة، كل ركعة سجدتان، جميعكم؟ نعم جميعنا أتريدون المسلمين أن يكفروا، لكنهم لن يكفروا، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته