سورة النساء | حـ 842 | 176 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة النساء وفي آخر آية منها يقول ربنا سبحانه وتعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ويستفتونك من استفتى والألف والسين والتاء في لغة العرب تدخل للطلب أي أنه طلب الفتوى فجاء الصحابة الكرام يطلبون الفتوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن ربه ولا ينشئ الأحكام من عند نفسه إلا بإذن ربه، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
قال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول إلى آخر هذا المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ عن ربه لا يستطيع ولا يقدر أن يقول شيئا إلا بإذن الله وإلا بيانا لحكم الله سبحانه وتعالى قال الله يفتيك إذا فربنا يفتي من استفتى فنسب لنفسه هذا المقام فأعلى من شأنه وكلما شرفنا الله سبحانه وتعالى بشيء فقد كلفنا بإزائه بشيء آخر فكل تشريف هو وجه آخر للتكليف ولذلك فإن مهمة الإفتاء فيها تشريف لأنه
يوقع عن رب العالمين ولكن فيها مسؤولية وتكليف يحاسب عليه الإنسان يجعله زاهدا في منصب الإفتاء ولذلك كان الصحابة الكرام مع علمهم وتقواهم وتربيتهم في مدرسة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يأتيه متابع يسأل فيحيل على أخيه وكل واحد منهم يحيل على من بجانبه اسأل هذا اسأل هذا حتى يعود السؤال إلى الأول تورعا عن الفتوى والصحابة الكرام مع علو شأنهم وكثرتهم وكانوا أكثر من مائة ألف وكان في المدينة يسكن أكثر من عشرون ألفا وقيل ثلاثون ألفا من الصحابة
الذين مكثوا مع النبي السنة والسنتين وجاهدوا معه الغزوة والغزوتين، وبالرغم من ذلك ومن علمهم ومن تقواهم ومن تفضيل ربهم لهم على سائر الأجيال حتى قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم واحد من الناس يعني جبل أحد ذهبا طيب ومن الذي معه جبل أحد ذهب للمبالغة يعني جبل أحد ذهب فإنه لا يبلغ مد أحدهم أو نصفه المد
يعني قدر الكوب هكذا كوب يأخذ ثلاثمائة مليجرام يعني زجاجة الكوكا كولا هكذا قدر زجاجة الكوكا كولا أو نصف يعني أنت هات قليلا من القمح، قليلا من القمح، هذا النص الصحابي تصدق بنصف كوب من القمح وأنت تصدقت بجبل أحد ذهبا، فلماذا يأخذ ثوابا أكثر منك؟ قال: ما كلكم في أعناقهم يوم القيامة آخذين ثوابكم كله، أليس نسأل سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين. هل نحن جميعا في ميزان حسنات سيدنا عمرو بن العاص، بل نحن جميعا في ميزان حسنات سيدنا عمر ومن بعدنا وأولادنا وأولاد أولادنا، كلما ازداد فكيف ستتمكن
من أن تسبقه، فاحترمه وكن صالحا يا آدم لأنك لن تستطيع أن تأتي بمثله. يستفتونك وفي الإفتاء قل الله يفتيكم، فالإفتاء مسألة عظيمة لا يظن أحد أن هذا تشريف يعني أن هذا أمر حسن جيد، كلا فإن معه أيضا تكليفا ومسؤولية ومحاسبة. قل الله يفتيك، قل فعل أمر واللام فيه ساكنة لأن فعل الأمر يكون ساكنا، خذ كل قل هكذا، وهمزة لفظ الجلالة الله الألف
واللام تكون همزة وصل فهي ساكنة. التنوين في الفعل لا ينكسر، الذي ينكسر هو الأسماء، ولكن هنا ذهبنا فجعلناه مكسورا كي نتخلص من النطق بالساكنين. قل لي بالله، قل لي بالله، قل لي هل يوجد فعل ينكسر؟ ما هو هذا ليس مكسورا، هذا الصوت فقط هو الذي مكسور حتى نتوصل إلى النطق بلفظ الجلالة. وعندنا هنا تبقى مرققة عندما تأتي بعد شيء مكسور قل الله وليس قل الله لا ينفع قل الله التي فيها ترقيق هكذا الله لماذا في الله وفي إله الله لماذا هكذا النقطتان هاتان اللتان بعد المكسور نأتي بالله التي
بعد المضموم أو المفتوح تعال نأتي بالله هكذا هو يستفتونك قل الله يفتيك في الكلالة في الكلالة إدام في حرف جر قوم تدور له على فعل تربطه بيه، كل الحروف بتاعة الجر فيك يا عربية تملي تدور على فعل تربطه بيه تعمل علاقة بينه وبينه وكده اسم الربط ده التعلق يعني في متعلقة بإيه مسكة برقبة إيه لازم ندور على فعل تمسك في رقبته يستفتونك في الكلالة يعني في متعلقة
بيستفتونك يعني هم استفتوه في الكلالة أم استفتوه في الميراث فقلت لهم في الكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة إذن هذه الكلالة مرتبطة بيستفتونك أم مرتبطة بيفتيكم تصلح هكذا وتصلح هكذا تصلح للاثنين لأن هذا حرف جر يحتاج إلى فعل يتعلق به يريد له فعلا يرتبط به، يريد له فعلا يكون بينه وبينه خيط كذلك، فهذا الخيط يتعلق بـ"يفتيك" أم يتعلق بـ"يستفتونك"، أيجوز ما هو هذا فعل وهذا فعل وهذا حرف جر، يريد تعليقا أو ربطا أو خيطا يكون
فيجوز كذلك ويجوز كذلك، فما الفرق إذن "يستفتونك في الكلالة" يكون الصحابة سألوه في الكلالة قال الله يفتيكم في الكلالة يعني الصحابة لم يسألوه في الكلالة الصحابة لم يسألوه في الكلالة ولكن عندما يسألونه في الميراث فإنه يجيبهم في هذا الجانب في الكلالة لأنها صعبة متشابكة وليست في عمود النسب إلى آخره يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة لها وجهان والوجهان يجوز هذا الاختلاف، اختلاف تنوع
في تفسير يقول هكذا وفي تفسير يقول هكذا، لا يضر شيئا، وما دمنا نجيز أن نحمل على التفسير ونحمل على هذا التفسير وذلك التفسير، فهذا يعني أن القرآن واسع، وكلما تعلمت العربية أكثر كلما فتح لك القرآن قلبه أكثر لأن الله أنزله قرآننا عربي يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، كان يمكن أن يقول يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم، كان حينئذ سيصبح الأمر منتهيا في متعلق بيستفتونك، لكن انظروا كيف أن الصياغة تغير
المعنى وتوسعه، يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، هذا الاتساع أبهر الناس، الله لم يكن هكذا من قريب في الكلالة قال الله يفتيكم، ما رأيك في ذلك؟ أضيق، أم أن البشر متيقظون جدا لمثل هذه اللطائف والطرائف لما وردت في القرآن، حصل للناس انبهار به لا يشعر به الذي يتلاعب معه، يشعر به أهل التقوى وأهل المعرفة، وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله