سورة النساء | حـ 843 | 176 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة النساء | حـ 843 | 176 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة النساء وفي آخرها آخر آية يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة"، وقوله "يستفتونك" معناه طلب الحكم الشرعي في واقعة معينة، وهذا هو حقيقة الاستفتاء وحقيقة. الفتوى هي بيان للحكم الشرعي في واقعة معينة، وهذا بخلاف السؤال، "يسألونك عن المحيض"، "يسألونك
ماذا ينفقون"، "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، وهكذا. السؤال أعم من الاستفتاء، فالاستفتاء هو السؤال المتعلق بطلب حكم شرعي. فلو جاءني أحدهم وسألني: هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من مارية رضي الله؟ تعالى عنها أو كانت في ملك يمينه، هذا ليس فتوى، هذا سؤال نُجيب عليه ونقول له إنه لم يثبت في السيرة ولا في الحديث ولا في الأثر المروي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم تزوج مارية، في حين أنه قد ثبت أنها قد أنجبت منه ولداً، وذلك بأنها كانت. حلالاً له صلى الله عليه وسلم فيما كان يسمى بملك اليمين، وقد أباح الله له ذلك ولأمته من بعده، وهذا ملك اليمين ألغي في منتصف القرن التاسع عشر ولم يعد له وجود، الذي هو العبد أن أشتري عبداً وأشتري أَمَةً جارية لم يعد له وجود، واتفق العالم ونحن معهم وكنا أولها في إلغاء الرق لأن الشرع كان متطلعاً إلى الحرية، وكان قد حرَّم علينا موارد الرق
كلها إلا ما كان ناتجاً عن الحرب معاملة بالمثل، ثم فتح باب الحرية فجعل الكفارات عتق رقبة، وجعل عتق الرقبة من أفعال الخير، وجعل ألا نحمل العبيد فوق طاقتهم، وعامل العبيد معاملة راقية حتى إن. المسلمون وَلَّوْهُم حكمهم في فترة كبيرة في التاريخ تُسمى بحكم المماليك، كل ذلك من رأفة الإسلام ومن نظرته إلى العبيد نظرة جعلت العبيد حكامًا لنا. لا يوجد أحد، لا توجد أمة في الأرض جعلت عبيدها حكامًا. الأمم استعبدت الناس، ضربتهم
بالكرابيج والسياط، قتلتهم تحت وطأة العمل، وعندك الرواية التي اسمها الجذور الأمريكية تقول لك انظر كيف كان حال العبيد في أمريكا، إنها مصيبة، ولكن المسلمين عاملوا العبيد والرقيق معاملة راقية، وعندما جاءت أول فرصة لتحريرهم حرروهم جميعاً، ودخلنا في مرحلة التحرير، وذهب الرق والحمد لله، لأن الشرع كان يتطلع أصلاً إلى زوال الرق. أسئلة وإجابات: كم غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم؟ وسلم بنفسه قام بالإجابة. أربعة وعشرين غزوة. كم غزوة حارب فيها المسلمون أو كانت عند ثمانين غزوة؟ طيب وهذه إفتاء أم ليست
إفتاء؟ ليست إفتاء. الإفتاء سؤال متعلق بماذا أفعل في الصلب، الكيفية الفلانية في عقد البيع، في عقد الزواج. أنا قلت ووعدت فزوجتي طالق أم ليست طالقاً؟ ماذا نفعل؟ حلال. وليس حراماً أن نأكل هذا ونشرب هذا ونترك هذا ونفعل هذا وهكذا فعل. الحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب أو التخيير. هذا هو الحكم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين. أما عن ذواتهم، فكيف يكون الأمر؟ لا، ليس لها علاقة، فهذا ليس حكماً، إنما يتعلق بالأفعال. "يستفتونك"
و"يسألونك"، والفرق بينهما أن "يستفتونك" خاص وأن... يسألونك عما يشمل التاريخ والسنة: كيف كان لون النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما الذي كان يحبه النبي من الطعام؟ كان يحب اللبن وكان يحب اللحم وكان يحب الدباء وكان يحب الطعام الهادئ الطيب وليس الحار. والحار هذا يُطلق على مرتفع الحرارة ويُطلق على ما فيه فلفل حار، فلم يكن. يحب الحار هذا فلفل أو شيء حار هكذا لم يحبه عليه الصلاة والسلام. حسناً، أنا أحب الشطة قليلاً. أنت حر، ليس حراماً يعني. نعم، هذه فتوى. إذن ليس حراماً أن أضع الكشري هكذا وأضع
عليه الشطة. حسناً، أنت حر. لكن النبي لم يكن يحبه، لم يكن. يحبه هذا الخبر، ولكن ليس له علاقة بالفتوى. فليأتِ بعض الناس الذين يجب أن يتعلموا ما الفرق بين السؤال وبين الفتوى. فلنأتِ وأقول له: النبي لم يكن يحب أكل الضب، والضب هذا شيء لم يكن موجوداً في أرضه، فقالوا له: هذا ضب، فقال: لا، حسناً، كلوه أنتم. فجلس الصحابة. ابن عباس وخالد يأكلان أمامه وقال: "لم يكن في أرض قومي، فإذا رأيته أعافه" يعني نفسه لا تقبله. وقيل هذا أيضاً في الأرنب، فالنبي لم يكن يأكل الأرنب. وبعد ذلك
يأتي شخص ويقول: ما هذا؟ الشيخ أفتى أن الأرانب حرام؟ لماذا؟ لأنه لا يميز بين السؤال وبين الفتوى والاستفتاء عندما أقول. أن النبي لم يكن يأكل الأرانب، هذا خبر لا علاقة له بالفتوى. عندما أقول إن النبي كان يحب القرع (الدباء)، فيقوم أحدهم ويقول: "الله! يعني كان يكره البطاطس؟ يعني لا تجوز الملوخية؟" هذا يخلط الأمور. هناك فرق بين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب اللبن مثلاً وما... لم يكن يحب الضب، فأتى شخص وقال لي: "أنا أحب الضب ولا أحب اللبن، فأنا لا أطيقه أبداً". لا يحدث له شيء لأن هذه طبائع وأمزجة، لا يحدث له شيء. فيكون
السؤال شيئاً والاستفتاء شيئاً آخر. "يستفتونك" هذه لها معنى ينبغي أن نقف عنده كثيراً في حقيقة أن الفتوى تختلف. أيضاً عن الرأي لو سألني أحدٌ في مسألة سياسية، فالسياسة لها وجهات نظر مختلفة، أنت تقول وأنا أقول، فلننظر أين تكمن مصلحة البلد. ينبغي على الحكومة وعلى المعارضة أن تسعى لمصلحة البلد والوطن. فعندما يأتي أحدٌ ليسألني وأنا مفتٍ
في رأي من الآراء، فهذا ليس استفتاءً بل هو سؤال. فذكرتُ رأيي وقلت: "والله، رأيي كذا وكذا وكذا"، فتقول لي: "لا، لكنك غابت عنك أشياء". أنا ليس رأيي هكذا، عندما يسألني أحدهم: "ما رأيك في هذه اللوحة الفنية؟ أليست ألوانها جميلة؟"، فأقول له: "والله، أنا لا أرى أن ألوانها جميلة، ألوانها سيئة"، قال. أنا أرى أنها أفضل لوحة في الدنيا. الفن تختلف فيه الأذواق، فكما تختلف الأذواق في الأطعمة، كذلك يختلف الفن في الأذواق، والسياسة تختلف فيها الآراء. عندما يسألني شخص: "هل تشجع الزمالك أم الأهلي؟"، فهذه آراء لا علاقة لها بالفتاوى. لذلك ينبغي علينا
أن نفرق فرقاً واضحاً بين... الفتوى بين السؤال وبين الفتوى وبين الرأي وبين الفتوى وبين الأذواق والانطباعات. افترض أن المفتي يكره شخصاً أو يحب شخصاً، فليس الذي يكرهه مكروهاً عند الله، ولا الذي يحبه محبوباً عند الله، هذا قلبه هكذا. افترض أن لي ابناً عاصياً، أحبه وهو عاصٍ، وأدعو الله له بالهداية، لكنها مسألة الفتوى. هذا بيان حكم شرعي لفعل إنسان، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.