سيدي أبو الحسن الشاذلي | خطبة الجمعة 13- 6 - 2014 | أ. د علي جمعة |

سيدي أبو الحسن الشاذلي | خطبة الجمعة  13- 6 - 2014  | أ. د علي جمعة | - تصوف, خطب الجمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل
وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، وإن
شر الأمور محدثاتها، قال صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب وعترة أهل بيتي أخرجه الترمذي فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وانفعنا به في الدنيا والآخرة واحشرنا تحت لوائه وشفعه فينا واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب
ولا عتاب عباد الله نحن في رحاب شريف بجوار ضريح سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ونفعنا به في الدارين وهو من نسل الإمام الحسن أحد الريحانتين حبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي يروي
عن أبيه أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه عن جده الحسن صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الخلق وأجمل الأخلاق في هذه الرحاب الكريمة الشريفة وقد أراد أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه بعد رحلة من العطاء والدعوة إلى الله وإرشاد العباد إلى أن يخرجوا الدنيا من قلوبهم وأن
يجعلوها في أيديهم بعد رحلة طويلة كان في طريقه إلى الحج فدعا الله سبحانه وتعالى أن يقبضه إليه في مكان لم يعص فيه قط فأماته الله في هذا المكان المبارك وكان سيدي أبو الحسن مستجاب الدعوة وقد ورث القطبانية عن شيخه الذي بحث عنه كثيرا ولد رحمه الله تعالى في بلاد غمارة من
المغرب الأقصى وهي بلاد حل فيها أهل البيت الكرام من نسل سيدنا الحسن وهم باقون فيها إلى اليوم وعلى رأس المغرب الأقصى ملك من أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأراد عندما شب وتعلق قلبه بالله أن يأخذ من موثوق به وبعلمه وبتقواه فذهب إلى العراق يبحث عن القطب وهناك
في العراق كان يعيش قبل زمانه الإمام الرفاعي وقد انتقل ومات ودفن في أم عبيدة فقابله تلميذه ولي الله الواسطي وقال له إني أبحث عن القطب يرشدني والطريق إلى الله فيه مزالق وفيه ادعاءات فكان يريد أن يتخذ طريقا صحيحا
يطمئن إليه قلبه قال له أتبحث هنا عن القطب والقطب في بلادك فرجع عائدا إلى المغرب حتى هداه الله سبحانه وتعالى إلى سيدي عبد السلام بن بشيش وهو مدفون في المغرب في العرائش على قمة الجبل وكانت خلوته في أسفل الجبل عند عين فجرها الله سبحانه وتعالى لهؤلاء العباد ولما
التقى به أخبره بنسبه وجلس معه وأخذ عنه فماذا أخذ، خصلتين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأشجع بن قيس: فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله. قال: وما هما؟ قال: الحلم وعدم الجهل على الناس. فلم يكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بذيئا حاشاه ولا فاحشا ولا متفحشا ولا سبابا، بل كان أحسن الناس في هيئته وخلقه وأخلاقه وسيرته ومشيته. فصلى الله عليك وسلم رسول الله وترك كثير من المسلمين هذه الخصلة الحلم والحلم يولد الأناة وعدم العجلة والرضا بمقسوم الله والحلم والأناة
تجعل قلب المؤمن قابلا لنزول السكينة وما أدراك ما السكينة إنها إيمان فوق الإيمان هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما نزلت السكينة على قلب سيدي أبي الحسن الشاذلي فأحب سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأورث
حبه هذا لأتباعه إلى يوم الدين، وعندما تتنزل السكينة على القلب المؤمن ليزداد إيمانا مع إيمانه الأول فإن الرحمة تتفجر من القلب، والرحمة وما أدراك ما الرحمة هي الصفة الأساسية التي بدأت الله بدأ كتابه تطمينا لقلوب عباده فقال ربنا بسم الله الرحمن الرحيم وكان يمكن أن يقول بسم الله القوي الجبار أو
المنتقم العظيم وما كنا نستطيع أن نطمئن وهو يواجهنا بهذه القوة لكنه كان يمكن أن يقول بسم الله الرحمن المنتقم فيأتي بصفة من صفات الجمال وبصفة من صفات الجلال فيتم الكمال ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي فاتقون، لكنه لم يفعل سبحانه، بل واجهنا بجمال في جمال وبرحمة في رحمة فقال بسم الله الرحمن الرحيم. وإذا
تفجرت الرحمة من قلب العبد عرف شيئا من حقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كمال إنسانيته وفي جلال مقامه عند ربه وفي خاتمية رسالته والحقيقة المحمدية شيء كبير لا تتسع له قلوب الناس وكيف يعرف في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم فهو
الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم منزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم دعني أدعوكم نصارى في نبيه وموحدكم بما شئت مدحا فيه وحدك به، وأن تنسب إلى ذاته ما شئت من شرف، وأن تنسب إلى قبره ما شئت من عظمة، فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعبر عنه ناطق بفمه. الرحمن الرحيم يتجلى لمن نزلت السكينة في قلبه، فيبدأ
في معرفة حقيقة نبيه صلى الله عليه وسلم، فيتولد من الرحمة الحب والحب قال فيه سبحانه وتعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وإذا جاء الحب في قلب الإنسان كما تجلى في كلام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى
عنه وأرضاه انبثقت الحكمة قال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يتذكر إلا أولو الألباب، الحلم والأناة يولد السكينة ويؤذن بنزولها من عند ربنا في قلوب العباد فتنبثق الرحمة والمعرفة فينبسط الحب فينبسط من الحب الحكمة فإذا أوتيت الحكمة فقد أوتيت
خيرا كثيرا، عباد الله لنقلع جميعا عن المعاصي تسلية لخاطر ذلك الولي الذي أقامه الله دلالة للناس وإرشادا وأراد أن يبيت في مكان لا يعصى فيه الله، فسلوا خاطره واقلعوا عن هذه الشهوات والرغبات والمعاصي، وشاعت طريقة أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه في العالم وصدقها
وآمن بها واتخذها كثير من علماء الظاهر، فتغير سلوك العز بن عبد السلام وكان سلطان العلماء. واتبع سيدي أبا الحسن الشاذلي في منهجه وطريقته وذكره الذي التزم بالسنة ولكن بقلب منور، وتتلمذ عليه المرسي أبو العباس وتتلمذ على المرسي سيدي ابن عطاء الله السكندري وكان من كبار العلماء. لما ذهب أبو الحسن إلى ابن مشيش أو
بشيش وقبل أن يلقاه ترك علمه تواضعا وترك عمله تواضعا. وذهب إليه فقيرا إلى الله، توكلوا على الله، ارضوا وسلموا بقدر الله، اذكروا الله، سبحوه بالليل والنهار، ليس لنا سواه ولا نعبد إلا إياه، طريق واضح المنهج نعبد فيه ربنا، كأننا نراه، فإن لم نكن نراه فهو يرانا، وهذا هو مرتبة الإحسان،
ادعوا ربكم، الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وصحبه وآله المكرمين ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم
الأحزاب وحده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه. عباد الله، انتشرت هذه الطريقة في الشرق والغرب وأمره شيخه أراد ابن بشيش أن يذهب إلى شاذلة وهي بالراجح بكسر الذال وإن وردت رواية أن أبا الحسن سأل ربه يا ربي لم نسبتني إلى الشاذلي
وأنا لست منها كان ينسب إلى غمارة فيقول الغماري فألهمه الله أنه ليس للمدينة وإنما هي لأنك شاذ لي أي فرد من الأفراد على كل حال لا نقف عند الرسوم والمباني وإنما نغوص إلى المقاصد والمعاني هذا الإمام ذهب إلى شاذلة فتربى على يده أربعون ومكانه
معروف يزار إلى اليوم ثم بعد ذلك جاء إلى مصر واستقر بها وتشرفت بأن دفن فيها وكتب في الكتب أنه بحميثرا وأنها في صحراء عيذاب وفقد قبره فلم يعرف أحد لأنها في صحراء قاحلة حتى عثر عليه بعض الشباب في رحلاتهم في
العشرينيات من القرن العشرين وبدأ الناس يلتفتون إليه ويأتون إليه حتى عمر المكان، جئنا إلى هذا المسجد على بنائه القديم الذي يعرفه من له علاقة بهذا المكان الشريف، فإذا بالله يعلق القلوب بحب سيدنا أبي الحسن الشاذلي يعمروا هذه المنطقة ويدخلوا إليها الخدمات شيئا فشيئا كما حدث مع سيدي أحمد البدوي في طنطا فنشأت مدينة كبيرة حوله وعمرت البلاد ببركة أولياء
الله الصالحين، أولياء الله الذين دعونا إلى التعمير لا إلى التدمير، دعوا الناس إلى التفكير لا إلى التكفير، جاهدوا في سبيل الله باللسان والسنان علم وعن تقوى لا يحبهم إلا مؤمن ولا يكرههم إلا منافق، ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلالة في هذا وتكلم في شأن الأنصار أنه لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ووجه الكلام إلى سيدنا علي بأنه لا يحبه
إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق فأقام الدلالة من البشر على مراد الله سبحانه وتعالى، هذا الإمام ظهر من يده الخير وشاع من عنده الدين وحب النبي، وتعلقت القلوب بالله عندما استجيب به الدعاء فهو دليل على الإيمان وعكسه دليل على النفاق. عباد الله أخذنا طريقة أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى
عنه وأرضاه بالسند المتصل وكان أول من أجازنا السيد عبد الله بن محمد بن الصديق بن عبد المؤمن الغماري من بلاد سيدي أبي الحسن وكان محدث الدنيا يروي الطريقة عن أبيه وأبوه عن جده إلى منتهاه حتى يصل بنا إلى شمس الشموس أبي الحسن الشاذلي ثم أخذنا
الطريقة الشاذلية حسن عباس زكي عن شيخه عبد الفتاح القاضي عن شيخه محمد عبد الوهاب الحصافي عن أبيه السيد عبد الله وهاب الحصافي إلى منتهى السند حتى وصلنا إلى شمس الشموس وبدر البدور سيدي أبي الحسن الشاذلي، وهكذا أهل الله يعرفون دينهم بالسند المتصل حتى تحدث فيه البركة، فأكون قد صافحت من صافح من صافح من صافح إلى منتهى رسول الله والآخرون
لا سند لهم يقولون من عقولهم ما شاءوا أن يقولوا فهم خوارج العصر فلا يغترن بهم أحد، أولياء الله يعلمون كشف الأسرار في أدب العبودية مع الله ويعطونا أنوارا في القلوب تتلألأ للتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمونا المشرب الصحيح وغيرهم يتبعون الهوى. والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت
به صلى الله عليه وسلم، ندعو الله سبحانه وتعالى لمن عمر هذا المسجد فاشترك في بنائه بالعلم، بالجهد، بالمال، بالسعي، بالدعاء أن يكرمه الله سبحانه وتعالى إكراما تقر به عينه، فاللهم افتح عليهم فتوح العارفين بك، واللهم افتح علينا فتوح العارفين بك معهم وعلمنا الأدب معك واسلك بنا الطريق إليك وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعل
القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا ونور أبصارنا وصدورنا وانفعنا به في الدنيا والآخرة اللهم إنا نعوذ بك من كل ما استعاذ منه سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسألك من كل خير سألك منه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وارض اللهم عن صاحب هذا المقام الشريف وانفعنا بعلومه في الدنيا والآخرة وعلمنا الأدب معه واستجب لخاطره الدعاء لنا فاللهم يا ربنا اجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة وكن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصل اللهم على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون